فالصَّبر إذا لم يصادف محلّه لا ينفع، ومن هنا نفهم التَّسوية في صيغة الأمر في قول الله تعالى حكاية لما يُقال لأهل النار: {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦)} [الطّور]، فلا ينفع صبر في غير محلّه.
ولذلك فإنَّ كلَّ ذي مَرْزِئَةٍ إنّما يُحْمَد صبره عند حرِّ المصيبة عند الصَّدمة الأولى، ويعلو صبره وقدره إذا كان رَاضِيًا بِقَضَاءِ الله رَاجِيًا ثوابَه، ويزاد فيه إذا لم يَشْكُ بثَّه وحزنه إلّا لخالقه - جل جلاله -، {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ (٨٦)} [يوسف]، فإن فعل ذلك كان إن شاء الله تعالى من الصَّابرين. ومن لم يصبر عند لقاء الكرائه ونوازل الدَّهر سلا سُلُوَّ البهائم، وصبر صبر السَّوَائِمِ.
فإذا أخذ الله تعالى، فلا يكون لأحد أن يعترض، فالله تعالى أخذ ما له. وإنّما أخذ ما أعطى ليبتليك بالأخذ كما ابتلاك بالعطاء، قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لله مَا أَخَذَ ولله مَا أَعْطَى، كُلٌّ بِأَجَلٍ، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ"(١).
ولا ريب أنَّ مصيبة الموت جرعة ألم لا يعرفها إلّا من تجرَّع مرارتها، واصطلى بحرّها!