للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى إلهِ موسى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: ٣٦ - ٣٧].

وما يكونُ هذا إلا لأنَّه يُؤمِنُ أنَّ الإلهَ الذي يَجحَدُهُ: إنْ وُجِدَ، فلن يكونَ إلا في السماء، وأنَّ موسى قال له ذلك، وما أنكَرَ على موسى مكانَهُ، ولكنَّه أنكَرَ وجودَهُ؛ لأنه لو كان موجودًا، فلن يكونَ في غيرِ العُلُوِّ.

وما مِن إنسانٍ مهما كان دِينُهُ اشتكى الظلمَ والقهرَ، إلَّا وجَدَ في فِطْرَتِهِ رَغْبةً ببَثِّ شكواهُ إلى السماء، ومناجاةِ مَنْ فيها، ولو كان قد تديَّن بخلافِ ذلك.

وقد تواتَرَتْ نصوصُ الوحيَيْنِ عددًا بالتدليلِ على ذلك؛ سواءٌ بذكرِ أسماءِ اللهِ: {الْعَلِيِّ} [غافر: ١٢]، و {الْأَعْلَى} [النحل: ٦٠]، و {الْمُتَعَالِ} [الرعد: ٩]، أو ذكرِ بعضِ صفاتِهِ الدالَّةِ على علوِّهِ؛ كالاستواءِ، والنزولِ، وارتفاعِ الأعمالِ إليه، وذكرِ عَرْشِهِ وكُرْسِيِّه، وحَمَلةِ العرشِ، ونزولِ الوحيِ منه، وعودتِهِ إليه، ونزولِ الملائكةِ وعروجِها، وتجلِّيه سبحانه، واطِّلاعِهِ على عبادِه، وإنزالِ الأمرِ والعقوباتِ، والمِعْراجِ بالأرواحِ وبالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ورفعِ عيسى ونزولِه، وغيرِ ذلك مما يَدُلُّ صراحةً على علوِّ اللهِ تعالى على خَلْقِه، ولو أراد أحدٌ أنْ يَتتبَّعَ أدلَّةَ العلوِّ مِن الوحيَيْنِ تصريحًا أو تضمينًا، لَمَا وَسِعَهُ ذلك، ولو فعَلَ، ثم أعادَ، لَوَجَدَ أنَّ الذي فاتَهُ فوقَ ما جمَع.

وقد دَلَّ القرآنُ على علوِّ اللهِ بذاتِه، وعلوِّهِ بقَهْرِه، وعلوِّهِ بقَدْرِه؛ كما في قولِهِ: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: ١٨]، وقولِهِ: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: ٥٠].

<<  <   >  >>