للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَتَبَنَّهُ عالمٌ معتَبَرٌ، ولا رأسٌ في الشريعة؛ وهذا في المغربِ عامَّةً الأقصى والأدنى، وخاصَّةً مِن المالكيَّةِ أتباعِ مالكٍ، حتى قيلَ: "إنَّه لا يُوجَدُ مالكيٌّ معتزليٌّ إلا أبا إسحاقَ إبراهيمَ الغافقيَّ"؛ كما قاله أبو العبَّاسِ أحمَدُ المَقَّرِيُّ في "النَّفْح" (١).

وقد قال ابنُ حَزْمٍ في "رسائلِهِ" (٢): "وأمَّا علمُ الكلامِ: فإنَّ بلادَنا وإنْ كانت لم تَتجاذَبْ فيها الخصوم، ولا اختَلَفَتْ فيها النِّحَل، فقَلَّ لذلك تصرُّفُهم في هذا البابِ؛ فهي على كلِّ حالٍ غيرُ عريَّةٍ عنه، وقد كان فيهم قومٌ يَذهَبُونَ إلى الاعتزال".

وبنحوِهِ قال ابنُ جُبَيْرٍ صاحبُ "الرِّحْلة" (٣): أنَّ المغرِبَ على جادَّةٍ واضحة، لا بُنيَّاتِ لها، وليس فيه ما في الجهاتِ الشرقيَّةِ مِن أهواءٍ وبِدَعْ، وفرقٍ ضالَّةٍ وشِيَعْ.

* وجودُ الاعتزالِ في المغرِبِ، وموقفُ العلماءِ منه:

والاعتزالُ في المغرِبِ موجود، ووجودُهُ لا يعني أنَّ له شَوْكةً ورأسًا في علمٍ؛ كما قال ابنُ عبد البَرِّ فيهم: "لا يُعَدُّونَ عند الجميعِ في جميعِ الأمصارِ في طبقاتِ العلماء"؛ كما في كتابِه "الجامع" (٤)، وقد كان العلماءُ لا يَرُدُّونَ عليهم بالتصنيفِ ردًّا ظاهِرًا؛ لأنهم لا يَعُدُّونَ خلافَهُمْ خلافًا؛ كما قاله ابن عبد البَرِّ في "الاستذكار" (٥).

ووجودُهُمْ في تلك القرونِ في طبقتَيْن:

الطبقة الأُولى: حَمَلةٌ مِن العامَّةِ وأواسِطِ المتعلِّمينَ، لا يُنسَبُونَ إلى


(١) "نفح الطيب" (٢/ ٦٠٤ - ٦٠٥).
(٢) "رسائل ابن حزم" (٢/ ١٨٦).
(٣) "رحلة ابن جبير" (ص ٥٥ - ٥٦).
(٤) "جامع بيان العلم" (٢/ ٩٤٢).
(٥) "الاستذكار" (٢٤/ ٥٢).

<<  <   >  >>