للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ؛ شَأْنُ اللهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَيْحَكَ! أَتَدْرِي مَا اللهُ؟ ! إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَوَاتِهِ لَهَكَذَا -وَقَالَ بِإِصْبَعِهِ مِثْلَ القُبَّةِ عَلَيْهِ- وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ) " (١).

وإنما عرَّف النبيُّ -صلي الله عليه وسلم- الأعرابيَّ بآياتِ اللهِ؛ لأنَّها أعظَمُ بابٍ مُشاهَدٍ ومعلوم في تلك الحالِ يُدرِكُ به الأعرابيُّ عَظَمةَ خالِقِه.

* عقيدةُ التفويض:

ولا يعني ابنُ أبي زَيْدٍ مِن قولِه: "وَلَا يَتَفَكَّرُونَ فِي مَاهِيَّةِ ذَاتِهْ": التفويضَ، وإنما مرادُهُ: نفيُ تشبيهِ الصفاتِ ونفيُ العلمِ بكيفيتِها، لا نفيُ حقيقتِها؛ فإنَّ التفكُّرَ في الذاتِ قَدْرٌ زائدٌ عن إثباتِ الحقيقة؛ فإثباتُ الحقيقةِ شيءٌ لا يَلزَمُ منه معرِفةُ الكيفيَّة.

ومِن هذا: قولُ الحَسَنِ لَمَّا سُئِلَ: هل تَصِفُ رَبَّكَ؟ قال: نَعَم، بغيرِ مِثال (٢). فنَفَى التفويضَ بإثباتِ حقيقةِ الصِّفة، وبيَّن أنَّ القَدْرَ المَنْفِيَّ هو المِثالُ الذي هو التشبيهُ والتكييف، فالإيمانُ بحقيقةِ الشيء مع عدَمِ العلمِ بكيفيَّتِه صحيحٌ شرعًا وعقلًا، فنُؤمِنُ بحقيقةِ صفاتِ نعيمِ الجَنَّة مع أنَّ اللهَ يقولُ في الحديثِ القُدسيِّ: (أَعْدَدتُّ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ) (٣).

وعقيدةُ السلَفِ: إثباتُ حقيقةِ الصفاتِ، وتفويضُ كيفيَّتِها، ولا يَلزَمُ -في العقلِ- مِن إثباتِ الحقيقةِ: التشبيهُ؛ فأنتَ مَثَلًا تُثبِتُ صفةَ الحياةِ حقيقةً لعدَّةِ ذواتٍ؛ كحياةِ الأرضِ، وحياةِ الشجَرِ، وحياةِ الإنسانِ،


(١) أبو داود (٤٧٢٦).
(٢) "الرد على الجهمية" للدارمي (٢٩)، و"السُّنَّة" لعبد الله (٤٩٩ و ١١٣٢).
(٣) البخاري (٣٢٤٤)، ومسلم (٢٨٢٤) من حديث أبي هريرة.

<<  <   >  >>