للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

* تعظيمُ فقه الصَّحَابَةِ:

وكلُّ سُنَّةٍ لا تنتهي إلى الصحابةِ يُتوقَّفُ فيها؛ فهم أعلَمُ الناسِ بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وسُنَنِه، والناسخِ والمنسوخِ مِن شريعتِه، فإذا دَلَّ الحديثُ على تشريع، ودلَّ الدليلُ على تركِ الصحابةِ له، فليس لأحدٍ أن يَتعبَّدَ به، ليس لأنَّ مَنزِلَتَهُمْ أرفَعُ مِن الوحيِ، ولا مِن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ولكنْ لأنَّ مَنزِلَتَهم وفَهْمَهم أعظَمُ مِن منزِلةِ مَن بعدَهم وفَهْمِه.

وقد كان الأئمَّةُ يشدِّدونَ في مخالَفةِ قولِ الصحابةِ وفَهْمِهم للسُّنَّة، ولو كان المخالِفُ لهم مِن التابِعِين؛ كما كان يَنُصُّ على ذلك مالكٌ، وأحمَدُ، وغيرُهما، وقد قال الهَيْثَمُ بنُ جَمِيلٍ: "قلتُ لمالكِ بنِ أنسٍ: يا أبا عبد اللهِ، إنَّ عِنْدَنا قَوْمًا وضَعُوا كُتُبًا يقولُ أحدُهم: حدَّثَنا فلانٌ، عن فلانٍ، عن عُمَرَ بنِ الخطَّابِ، بكذا، وحدَّثنا فلانٌ، عن إبراهيمَ، بكذا، ونأخُذُ بقولِ إبراهيمَ؟ قال مالكٌ: صَحَّ عندهم قولُ عُمَرَ؟ قلتُ: إنما هي روايةٌ؛ كما صحَّ عندَهم قولُ إبراهيمَ؟ فقال مالكٌ: هؤلاءِ يُستتابُونَ" (١).

وإذا صحَّ إجماعُ الصحابةِ، فلا تجوزُ المنازَعةُ في ذلك؛ فالإجماعُ إجماعُهم، ومَن بعدَهم تبَعٌ لهم؛ كما قاله أحمد (٢).

وإنْ قال واحدٌ من الصحابةِ قولًا، واشتَهَرَ ولم يُخالَفْ، فلا يُخرَجُ عنه، خاصَّةً في العبادات (٣).


(١) "الإحكام" لابن حزم (٦/ ١٢٠ - ١٢١).
(٢) "اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل" (ص ٧٥).
(٣) "المعتمد" (٢/ ٢٦٦)، و "الإحكام" لابن حزم (٤/ ٦١٥)، و"إحكام الفصول" (ص ٤٠٧).

<<  <   >  >>