للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"إنَّه أسوَدُ مِن عُمَرَ وعُثْمانَ" (١)، و"أسوَدُ"؛ بمعنى: أَسْخَى (٢)، وفي هذا يقولُ أحمدُ: "أَعْطَى معاوِيةُ أهلَ المدينةِ عَطَايَا ما أَعْطَاها خَلِيفةٌ كان قَبْلَه" (٣).

* التوسُّع في التفضيل بين الصحابة:

وقد بدَأَ التوسُّعُ في أبوابِ التفضيلِ بين الصحابةِ، والنزاعُ فيه: في العَجَم، وكان مَدْخَلًا لتنقُّصِ المفضول؛ فبدَؤُوا بالتفضيلِ، ثم تدرَّجوا والتمَسُوا أسبابَ الكمالِ في الفاضلِ، ثم تدرَّجوا والتمَسُوا أسبابَ النقصِ في المفضول، ثم استَدْرَجَهم الشيطانُ للدخولِ في أبوابِ النقائصِ وثَلْبِ الصحابةِ وعَيْبِهم.

وقد قال عبدُ اللهِ بن أبي حَسَّانَ -تلميذُ مالكٍ- لمَّا سُئِلَ عن التفاضُلِ بينَ خيارِ الصحابةِ؟ فرفَعَ يدَهُ، وضرَبَ السائلَ، وقال: "ليس هذا دِينَ قُرَيْشٍ، ولا دِينَ العرَبِ؛ هذا دِينُ أهلِ قُمّ" (٤)؛ وهو يُدرِكُ تفاضُلَ الصحابةِ على الحقيقةِ، ولكنَّه يَعلَمُ ما يُرادُ مِن فتحِ هذا البابِ، ولمَّا فُتِحَ في المشرِق، وانتَهَى بأصحابِهِ إلى ما انتَهَى إليه، كان المغارِبةُ أوَّلَ الأمرِ يُغلِقُونَ فتحَ هذا الباب؛ حتى لا يَنتهِيَ في المغربِ إلى ما انتَهَى إليه في المشرق؛ وهذا مِن كمالِ العِلْمِ والحِكْمة.

ومِن هذا الباب: إمساكُ مالكٍ وغيرِهِ في إحدى الروايتَيْنِ عن التفضيلِ بين عُثْمانَ وعليٍّ، وقولُهُ: "مَا أَدْرَكْتُ أحدًا أَقتدِي به يفضِّلُ أحدَهما على صاحبِهِ" (٥).

ولا يَختلِفُ المسلِمُونَ في فضلِ الصحابةِ، وأنَّ فَضْلَهم فرعٌ عن


(١) الموضع السابق.
(٢) انظر: "النهاية" لابن الأثير (٢/ ٤١٨).
(٣) كما في رواية الخَلَّال السابقة.
(٤) "رياض النفوس" (١/ ٢٨٧).
(٥) "المدونة" (٤/ ٦٧٠)، و"الاستذكار" (١٤/ ٢٤٠).

<<  <   >  >>