للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* حسنُ القصدِ وسُوءُهُ، وأثَرُهُ على فهمِ القرآن:

ومَن لم يَفهَمِ القرآنَ مِن أهلِ اللسانِ العربيِّ، فليُحسِنْ قصدَهُ يُحسِنِ اللهُ له الوصولَ إلى مرادِه، وإنْ لم يَصِلْ يَسأَلْ مَن هو أعلَمُ منه؛ كما قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣].

ومَن نظَرَ في القرآنِ بلا قصدٍ حسَنٍ، وفي قلبِهِ مرضٌ يتصيَّدُ ما يريدُ بالهوى-: زاده النظَرُ فيه حَيْرةً وهوًى؛ كما قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: ١٢٤ - ١٢٥].

واللهُ لا يُضِلُّهم وهم يُرِيدُونَ الهدايةَ، ولو أرادوا الهدايةَ، لَوَفَّقَهُمْ إليها: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: ٢٣]، ولكنَّه لمَّا عَلِمَ قَصْدَهم، أعطاهم إيَّاه؛ كما قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: ٥]؛ لأنَّ قصدَهم مِن النظَرِ في القرآنِ والحديثِ: اتِّبَاعُ المتشابِهِ؛ كما قال: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: ٧].

قال مالكٌ: "ولقد قال رجُلٌ: لقد دخَلْتُ هذه الأديانَ كلَّها، فلم أرَ شيئًا مستقيمًا، فقال له رجُلٌ مِن أهلِ المدينةِ مِن المتكلِّمين: أنا أُخبِرُكم لِمَ ذلك؛ لأنَّك لا تَتَّقِي اللهَ تعالى، ولو اتَّقَيْتَهُ، لجعَلَ لك مَخْرَجًا" (١).

ولو كان الجدالُ والمراء الزائدُ عن البيان طريقًا لمعرِفةِ دِينِ اللهِ، لَأَرْشَدَ اللهُ إليه؛ وقد قال مالك: "وليس هذا الجدَلُ مِن الدِّينِ بشيءٍ" (٢).


(١) "الجامع" لابن أبي زيد (ص ١٢٠).
(٢) الموضع السابق.

<<  <   >  >>