للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومِن أئمَّةِ السلفِ: مَن يريدُ بالمعنى: التكييفَ؛ فينفيهِ؛ كما سُئِلَ يزيدُ بن هارونَ عن معنى حديثٍ في الصفاتِ، فغَضِبَ وحَرَدَ، وقال: "وَيْلَكَ مَن يَدرِي كيفَ هذا؟ ! " (١).

فجعَلَ سؤالَهُ عن المعنَى سؤالًا عن الكَيْفِ؛ لأنَّه فَهِمَ مقصودَ السائلِ على ذلك، ومعرِفةُ سِيَاقاتِ كلامِ الأئمَّةِ مفسِّرةٌ لألفاظِهِمُ المتبايِنةِ في الاستعمالِ؛ بحسَبِ مَوْضِعِها، وحملُها على معنًى واحدٍ متطابِقٍ باطلٌ، والسلفُ كانوا يَسكُتُونَ عن آياتِ الصفاتِ؛ لأنَّ إثباتَ الحقيقةِ مستقِرٌّ في نفوسِهم؛ وقد قال مالكٌ واصفًا أهلَ البِدَعِ: "ولا يَسْكُتُونَ عمَّا سكَتَ عنه الصحابةُ".

ولا يَلزَمُ مِن تنزيهِ الله عن التشبيهِ نفيُ الحقيقةِ في صفاتِ الله تعالى؛ كما لا يَلزَمُ مِن إثباتِ الحقيقةِ التشبيهُ، وما زال العلماءُ يَحترِزُونَ مِن هذا الفهمِ كلٌّ بحسَبِ تعبيرِه، ولمَّا أثبَتَ عبدُ الغنيِّ المَقْدِسِيُّ الاستواءَ، قال: "بلا تنزيهٍ ينفي حقيقةَ النزولِ" (٢)؛ دفعًا لتوهُّمِ التعطيلِ والتفويض.

والمفوِّضةُ سكَتُوا عمَّا سكَتَ عنه الصحابةُ من التكييفِ والتأويل المخالِف لظاهِرِ اللفظ، ونَفَوْا مع السكوتِ: ما أثبَتَهُ الصحابةُ مِن الحقائقِ والمعاني.

* روايةُ الأئمة لأحاديث الصِّفات، واحترازُهم مِن سوء فهمِها:

والسلَفُ يُثبِتُونَ حقائقَ الصفاتِ ومَعانِيَها الصحيحةَ بالإجماع؛ وهذا ما جاءت به النصوصُ، ويفرِّقُونَ بين سياقاتِ الأقوال، والزَّمَنِ الذي تَنتشِرُ فيه البِدَعُ عن غيرِه:


(١) "عقيدة السلف" للصابوني (ص ٦٥).
(٢) "الاقتصاد في الاعتقاد" (ص ١٠٠).

<<  <   >  >>