للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حتى قال ابنُ مَيْمونٍ: "إنَّه نظَرَ في كتبِ المتكلِّمِينَ والفلاسِفةِ كلِّهم حسَبَ طاقتِهِ -مِن اليهودِ والنصارى والمسلِمِينَ- فوجَدَ أنَّ طريقَ المتكلِّمينَ كلِّهم طريقٌ واحدٌ بالنوع، وإنِ اختلَفَتْ أصنافُه، وأنَّهم في مواضعَ كثيرةٍ يَتَّبِعُونَ الخَيَال، ويسمُّونه عقلًا" (١).

* اعتقاد أهلِ المغرب:

ولم يكنِ الناسُ في المغرِبِ أهلَ جَدَلٍ، بل أهلَ سُنَّةٍ وأثَر، حتى في المغربِ الأقصى الأَندَلُسِ، وكما قال الباجيُّ: "كانوا عن سَنَنِ المُجادِلةِ عادِلِين" (٢)، وقِلَّةُ الجدَلِ في متقدِّمي أهلِ المغرِبِ لا تعني عدَمَهُ فيهم؛ فلابنِ سُحْنُونٍ كتابٌ في "أدَبِ المتناظِرين"، وكانوا على معتقَدِ السلَفِ، فنُقِلَ إليهم اعتقادُ مالكٍ، كما نُقِلَ إليهم فِقْهُه، ونُقِلَ إليهم اعتقادُ أحمدَ بنِ حنبلٍ؛ فقد أدخَلَهُ المغرِبَ الأقصى والأدنى: أَسْلَمُ بن عبد العزيزِ قاضي قضاةِ الأَنْدَلُسِ، وقد ارتحَلَ ولَقِيَ أصحابَ أحمَدَ، وأصحابَ الشافعيِّ؛ كالمُزَنيِّ، والرَّبِيعِ، ويونسَ بنِ عبد الأعلى، وغيرهم، كما أسنَدَ عقيدةَ أحمدَ بنِ حنبلٍ بروايةِ أسلَمَ وسنَدِهِ: محمَّدُ بن الحارثِ الخُشَنيُّ القَيْرَوانيُّ في كتابِهِ: "أخبارِ الفُقَهاءِ والمحدِّثينَ بالأَندَلُس"، وفيها عقيدتُهُ بصفاتِ اللهِ؛ كالاستواءِ، وكلامِ الله، وعلوِّهِ، ومَعِيَّتِه، ومسائلِ الإيمانِ والبعثِ، وابنُ الحارِثِ ناقلُ عقيدةِ ابنِ حنبلٍ تلك، هو شيخُ ابنِ أبي زَيْدٍ القَيْرَوانيِّ.

والاعتزالُ لم يكنْ منتشِرًا في المغرِبِ في القرنِ الثاني والثالثِ والرابعِ لدى العلماءِ؛ يَعقِدُونَ له المجالسَ، ويصنِّفُونَ فيه الكتبَ؛ فلم


(١) "دلالة الحائرين" (ص ١٨٢).
(٢) "المنهاج" (ص ٧).

<<  <   >  >>