للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

* ابتلاءُ المُصلِح:

وقد يُبتَلَى العالِمُ المُصلِحُ بالمحرِّشِينَ بينه وبين السُّلْطان، ويستَغِلُّونَ خلافَهُ مع السُّلْطانِ في بابٍ، فيَجعَلُونَهُ في كلِّ الأبوابِ؛ كما ابتُلِيَ أحمدُ بن حَنْبلٍ لمَّا كانت فِتْنةُ خَلْقِ القرآنِ؛ فقد وَشَى به قومٌ -منهم ابنُ الثَّلْجِيِّ -عند الخليفةِ: أنَّه لا يَرَى البَيْعةَ، ويُؤوِي في بَيْتِهِ عَلَوِيِّينَ لا يَرَوْنَ بَيْعةً للعبَّاسِيِّين؛ فبعَثَ السُّلْطانُ إليه، فاستحلَفَهُ باللهِ وبالطلاقِ، فحلَفَ، ولم يَقنَعِ الخليفةُ، وجاء برَجُلَيْنِ وامرَأَتَيْنِ يفتِّشُونَ بيتَهُ وبيتَ ابنِهِ صالِحٍ -حتَّى النساءَ والعَوْراتِ- يَبحَثُونَ عمَّن يخبِّئُهُ مِن طَلِبَةِ الخليفةِ (١).

وكثيرًا ما يدخُلُ أمثالُ هؤلاءِ على السُّلْطانِ مِن بابِ خوفِهِ على مُلْكِه؛ فيكونُ أسرَعَ تصديقًا للظنونِ والأوهام.

* تجرُّد المُصلِح:

ويَجِبُ أن يكونَ العالِمُ عَدْلًا في مصالِحِ الناسِ، فلا يَحمِلَهُ كُرْهُ الحاكِمِ ولا حُبُّهُ على إضاعةِ مصالِحِ المسلِمِينَ التي بين يَدَيْه، وأن يكونَ رأيُهُ في الشدائدِ حِفْظًا للإسلامِ والمسلِمِينَ، لا تشفِّيًا منه، ولا طَمَعًا فيه.

فقد وجَدَ أحمدُ مِن المأمونِ والمعتصِمِ شَرًّا عظيمًا في دِينِهِ ودُنْياهُ: بحَبْسِهِ وضَرْبِهِ وحَمْلِ الناسِ على القولِ بخَلْقِ القرآن، ولمَّا ظهَرَتِ الخُرَّمِيَّةُ بقيادةِ الزِّنْدِيقِ بَابَكَ الخُرَّمِيِّ، كتَبَ أحمدُ إلى العلماءِ والولاةِ -ككتابِهِ لابنِ المَدِينِيِّ، ووالي البَصْرةِ- يستحِثُّهُمْ على قتالِ بَابَكَ، وأن يَحُثُّوا مَن حَوْلَهم على ذلك (٢).


(١) "السير" (١١/ ٢٦٦).
(٢) "السُّنَّة" للخلال (١١٥).

<<  <   >  >>