للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد كان الإمامُ أحمدُ يُنكِرُ مَن يُورِدُ هذه اللوازمَ: "الزوالَ، والانتقالَ، وتغيُّرَ الحالِ"؛ بحُجَّةِ نفيِها عند إثباتِ النزول، وقد سَمِعَ أحمدُ قاصَّا يَروِي حديثَ النزولِ، ويقولُ: "بلا زوالْ، ولا انتقالْ، ولا تغيُّرِ حالْ، فارتعَدَ أحمَدُ، واصفَرَّ لَوْنُه، وقال لابنِهِ عبد اللهِ: قِفْ بنا على هذا المتخرِّص، فلمَّا حاذاهُ، قال: يا هذا؛ رسولُ اللهِ أَغْيَرُ على رَبِّهِ مِنْكَ، قُلْ كما قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-"، وانصرَفَ (١).

وابنُ عبد البَرِّ مُثبِتٌ للاستواءِ على ظاهِرِه؛ وهو على طريقةِ السلَفِ في الصفات، وإنْ جرَى في مواضعَ قليلةٍ مِن كلامِهِ التقريرُ على ما يُشَابِهُ في الظاهر طريقةَ أهلِ الكلام؛ وهذا لا يُخرِجُهُ عن أصلِهِ الذي هو عليه؛ في عامَّةِ تقريرِهِ المجمَلِ والمفصَّل.

* المِيزَانُ والوَزْن:

* قَالَ ابْنُ أَبَي زَيْدٍ: (وَتُوضَعُ المَوَازِينُ لِوَزْنِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ؛ {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: ٨]):

المِيزَانُ حَقٌّ؛ كما قال مالكُ بن أنَسٍ وغيرُه (٢)، وقد عدَّه أحمدُ وابنُ المَدِينِيِّ مِن أصولِ السُّنَّة (٣)، وقد جاء ذلك في الكتاب، وتواتَرَ في السُّنَّة، وأجمَعَتْ عليه الأُمَّة؛ قال الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء: ٤٧].

ويضَعُ الله الميزانَ؛ لِيُقِيمَ الحُجَّةَ على عبادِه، فيَرَوْا أعمالَهم، ويَقْرَؤُوا صُحُفَهم، ويُبصِرُوا مَوازِينَهُمْ بأنفُسِهم؛ لِيَعْرِفُوا ما يَستحِقُّونَ، مِن


(١) "الاقتصاد في الاعتقاد" (ص ١١٠).
(٢) "أصول السُّنَّة" لابن أبي زمنين (ص ١٦٥).
(٣) "شرح أصول الاعتقاد" (٣١٧ و ٣١٨).

<<  <   >  >>