للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن يعاقِبَهُما، إلَّا بالذي هو خَيْرٌ لهما" (١).

والوَقِيعةُ في الصحابةِ ذَنْبٌ عظيمٌ، لا يَبتلِي اللهُ به أحدًا إلا لسُوءِ طَوِيَّة، وقُبْحِ نِيَّة، وما رأَيْنا أحدًا طعَنَ في أصحابِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- إلَّا وله خَبِيئةُ سُوءٍ تخرُجُ ولو بعدَ حِينٍ، لا نَعلَمُ الغَيْبَ، ولكنْ رأَيْناهم يَبدَؤُونَ بالطعنِ في الصحابةِ، ثم لا يَصبِرُونَ، فيُظهِرُ اللهُ خفايَا ومَخَازِيَ أخرى، كانوا يُخفُونَها؛ وفي هذا يقولُ أحمدُ بنُ حَنْبلٍ: "ما انتقَصَ أحدٌ مِن أصحابِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- إلَّا له دَاخِلةُ سُوءٍ" (٢).

وعلى ذلك: فيجبُ الإمساكُ عمَّا وقَعَ بين الصحابة؛ لأنه وقَعَ في طَبَقةٍ فاضلةٍ؛ فليس للمفضولِ الفصلُ بين الفاضِلِينَ عليه فيما لا يَعْنِيهِ؛ فإنَّ لهم حَسَناتٍ لا يَنَالُها مَن بَعْدَهم يَغفِرُ اللهُ لهم بها بإِذْنِه، والوقيعةُ فيهم بالسَّبِّ واللَّعْنِ سِّيئةٌ عظيمة؛ حتى تَصِلَ في بعضِ الأحيانِ بصاحِبِها إلى الكُفْر، وحِينَها فلن تُقاوِمَها حَسَنةٌ مِن حَسَناتِ المتأخِّرين؛ فتَمْحُوَها.

وكان مالكٌ يَرَى أنْ لا نصيبَ في الفيءِ لمن سَبَّ الصحابةَ والتابِعِين؛ لأنَّ اللهَ ذكَرَ الفيءَ وأهلَهُ بقولِهِ تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: ٧]، إلى قوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: ١٠].

* امتحانُ أهلِ المَغْربِ بالصحابةِ:

ولا تَعرِفُ بلادُ الغربِ الوقيعةَ في الصحابةِ والطعنَ فيهم، وذِكْرَ مَثَالِبِهم وسَبَّهم، وكانوا يَعلَمُونَ أنَّ بِدْعةَ الوقيعةِ في الصحابةِ جاءت مِن المَشرِقِ الأقصى مِن بلادِ خُرَاسانِ العَجَم.

ولمَّا سُئِلَ عبدُ اللهِ بنُ أبي حَسَّانَ اليَحْصَبيُّ -وهو مِن تلاميذِ مالكٍ-


(١) "فضائل الصحابة" لأحمد (١٦٣٠).
(٢) "السُّنَّة" للخلال (٦٩٠).

<<  <   >  >>