وإنْ قالوا: بأنَّه خلَقَ الخَلْقَ خارِجَ نَفْسِه، وهم على ذلك، فقد سلَّموا بالحقِّ عقلًا.
واللهُ تعالى تجلَّى للجَبَل، ويَطَّلِعُ على خَلْقِه، ويباهي بهم يومَ عَرَفةَ، وإذا كان تجلَّى للجَبَلِ -وعَرَفةُ فيه، وهو فيها- فكيف يَصِحُّ التجلِّي لشيءٍ هو فيه؟ ! ولكنَّ اللهَ فوقَ عَرْشِهِ ويتجلَّى لشيءٍ ليس فيه سبحانَه.
والآياتُ التي يستَدِلُّونَ بها على أنَّ اللهَ في كُلِّ مكانٍ هي دالَّةٌ بنَفْسِها على خلافِ ذلك، وأنَّ اللهَ على عرشِهِ، وهو مع الناسِ بعِلْمِه؛ فقولُهُ تعالى:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[ق: ١٦]؛ يعني: بالعِلْمِ؛ فليس هو في الوريدِ؛ فقد قال:{وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ}[ق: ١٦]، فبدَأَ بالعِلْمِ؛ ليبيِّنَ أنَّه هو المقصودُ بالقُرْبِ.
وكذلك قولُهُ تعالى:{هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}[المجادلة: ٧]؛ يريدُ: بعِلْمِه، وبهذا استفتَحَ اللهُ الآيةَ، وختَمَها؛ ففي أوَّلها قال:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}[المجادلة: ٧]، وفي آخِرِها قال:{إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[المجادلة: ٧]، ولم يَقُلْ: إنَّه في كُلِّ مكانٍ بذاتِه، وإنَّما بعِلْمِه.
لا يَلزَمُ مِن إثبات العلوِّ والاستواءِ والنزولِ لله إحاطةُ مخلوقاتِه به، واحتواؤها له، لا مُنفرِدةً ولا مجتمِعة؛ لأنَّه -سبحانه وتعالى- أكبَرُ مِن كلِّ شيء، ويَتوهَّمُ مَن ينفي تلك الصفاتِ أن في إثباتِها لزومَ إحاطةِ المخلوقات به، وهذا باطلٌ عقلًا وشرعًا: