للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأمَّا القولُ بأنَّه: قدرةُ الله، فيُروَى عن ابن عبَّاس؛ وفيه ضعفٌ.

وأمَّا القولُ بأنَّ الكُرْسيَّ: هو العَرْشُ، فمَرْوِيٌّ عن الحسَنِ، والضَّحَّاكِ، وغيرِهما.

وهذا ليس فيه شيءٌ يَصِحُّ عن الصحابةِ والتابعينَ، وأصحُّ ما جاء فيه: أنه مَوضِعُ القَدَمَيْنِ على ما قاله ابن عبَّاسٍ فيما سبَقَ، ولم يُخالِفْهُ أحدٌ مِن الصحابةِ.

وقد كان ابنُ مسعودٍ يَعُدُّ الكرسيِّ غيرَ العرشِ؛ كما رَوَى ابنُ خُزَيْمةَ في "التوحيد" عنه؛ قال: "بَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالَّتِي تَلِيهَا خَمْسُ مِئَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ خَمْسُ مِئَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالْكُرْسِيِّ خَمْسُ مِئَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ الكُرْسِيِّ وَالمَاءِ خَمْسُ مِئَةِ عَام، وَالعَرْشُ فَوْقَ المَاءِ، واللهُ فَوْقَ العَرْشِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِكُمْ" (١).

وهذا لا يقولُهُ الصحابيُّ مِن رأيِهِ.

وإنَّما حمَلَ بعضُ المتكلِّمِينَ الكرسيِّ على علمِ الله، أو قُدْرَتِهِ؛ لإنكارِهم الصفاتِ الخبريَّة، والأفعالَ الإلهيَّة؛ لأنَّ العرشَ والكرسيَّ لا بُدَّ أنْ يكونا مَحَلًّا للفعلِ.

والحقُّ: أنَّ العرشَ: للاستواءِ، والكرسيَّ: موضعُ القدمَيْنِ، واللهُ أعلَمُ بالكيفيَّةِ التي لا تُشبِهُ المخلوقَ.

* إحاطةُ عِلْمِ اللهِ بكلِّ شيء:

* قَالَ ابْنُ أَبي زَيْدٍ: (خَلَقَ الإِنْسَانَ، وَيَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ، وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيد، {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: ٥٩]:


(١) "التوحيد" (٢/ ٨٨٥).

<<  <   >  >>