للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا، لَذَهَبَ اللهُ تَعَالَى بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ) (١)؛ لأنَّ اللهَ جبَلَهُمْ على الخطأِ؛ ففي الحديث: (كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) (٢).

* حكمُ مَن ماتَ ولم يَتُبْ مِن ذَنْبِه:

ومَنِ ارتكَبَ الصغائرَ، واجتنَبَ الكبائرَ، كفَّر اللهُ صغائرَهُ عنه، ولم يُؤاخِنْهُ بها؛ كما قال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: ٣١]، وجعَلَ لذلك أسبابًا كثيرةً:

منها: عمَلُهُ الصالحُ؛ كالصلواتِ الخمس، والجُمُعةِ إلى الجُمُعةِ، ورَمَضانَ إلى رمضانَ، والحجِّ المبرور، وغيرِ ذلك مِن العمَلِ الصالح.

وقد يَغفِرُ اللهُ للمُذنِبِ ذنبَهُ بمشيئتِهِ ولُطْفِه، وإنْ لم يَفعَلِ العبدُ سببًا؛ وهذا مقتضَى رحمةِ الله، وسَعَةِ فضلِه، وسَبْقِ رحمتِهِ لغضَبِه.

وأمَّا أصحابُ الكبائر، إنْ لم يتوبوا، فهم تحتَ مشيئةِ الله: إنْ شاء عذَّبهم، وإنْ شاء غفَرَ لهم، والذي دلَّت عليه نصوصُ الوحي، وأجمَعَ عليه السلَفُ: أنَّ أصحابَ الكبائِرِ غيرَ التائِبِينَ على فريقَيْن:

فريقٌ: يَغفِرُ الله له برحمتِهِ، وبما يهيِّئُهُ اللهُ مِن أسبابٍ خارجةٍ عن العاصي؛ كدعاءِ ولَدِهِ أو غيرِه، أو عمَلٍ له صالحٍ آخَرَ، عظَّمه الله فغلَبَ عمَلَهُ السيِّيءَ، أو أنْ يَقبَلَ شفاعةَ غيرِهِ له مِن زوجةٍ أو ولَدٍ أو غيرِهما، أو أنْ يُجرِيَ الله عليه مِن أسبابٍ فيه، يكفِّرُ بها مِن معاصِيه؛ كالمَصائِبِ والهمومِ في الدنيا، أو ما يَلحَقُهُ مِن كربٍ وشدَّةٍ في البَرْزَخِ، والمَوقِفِ


(١) مسلم (٢٧٤٩) من حديث أبي هريرة.
(٢) الترمذي (٢٤٩٩)، وابن ماجه (٤٢٥١) من حديث أنس.

<<  <   >  >>