للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أهل الكتابِ الذي دعاهم للقول بهذا الكلامِ هو أصلُ الفلاسفةِ المنتسبينَ للإسلام، الذين قالوا: إنَّ القرآنَ مخلوق!

* أصلُ فِتنة خَلْق القرآن، والكلام النَّفْسي:

وكان أصلُ الفِتْنةِ في القولِ بخلقِ القرآنِ في المشرِقِ والمغرِبِ:

إنما هو في المسموعِ والمقروءِ والمكتوب، والمحفوظِ والمتدبَّرِ؛ وبهذا يقولُ الجهميَّةُ والمعتزِلةُ.

حتى جاء ابنُ كُلَّابٍ، وأثبَتَ الكلامَ النَّفْسيَّ، وقال بخلقِ ما عداه مِن المسموعِ والمقروءِ والمحفوظِ، والمكتوبِ والمتدبَّرِ، وظنَّ هو ومَن قال بقولِهِ: أنهم يُثبِتُونَ الكلامَ، وأنَّ قولَهم خارجٌ عن محلِّ النزاع؛ توهُّمًا أنَّ النزاعَ إنَّما هو في الكلامِ النَّفْسيِّ مع الجهميَّةِ والمعتزِلةِ فحسبُ، وإنما النزاعُ في الكلامِ كلِّه، وجرَى مع ابنِ كُلَّابٍ الأشاعرةُ؛ فأخَذُوا يُثبِتُونَ الكلامَ لله، ويريدونَ به: ما قام في النَّفْسِ، لا ما أدرَكَهُ الإنسانُ بسمعِهِ وبصَرِه، وقلبِهِ وعقلِه، وبلَّغه الإنسانُ بصوتِهِ ولسانِه.

وهذا التفريقُ لا يُعرَفُ قبلَ ابنِ كُلَّاب، وكان الأئمَّةُ عند ظهورِ فتنةِ القولِ بخلقِ القرآنِ لا يفرِّقون، ويَعرِفُونَ أنَّ فتنةَ القولِ بخلقِ القرآن، كانت لشُبُهاتٍ مِن أعظَمِها: شُبْهةُ أنَّ المسموعَ والمقروءَ منفصِلٌ عن الذاتِ؛ فلا يكونُ منها؛ ولهذا قال أحمدُ بن حنبلٍ في "عقيدتِهِ" التي رواها عنه قاضي قُرْطُبةَ أسلَمُ بن عبد العزيزِ أبو الجَعْدِ: "أَشهَدُ أنَّ اللهَ تبارَكَ وتعالى يقولُ، وقولُهُ الحَقُّ، خَلْقُهُ خَلْقٌ، وقَوْلُهُ بائنٌ مِن خَلْقِهِ -عز وجل-: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: ٥٩]؛ فقولُهُ: {كُنْ} ليس بمخلوقٍ" (١).


(١) "أخبار الفقهاء والمحدثين" (ص ٤٥ - ٤٦).

<<  <   >  >>