للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهو أمرٌ لم ينازَع الصحابةُ في فهمِه من أحدٍ في زمانِهم، ولم يكنْ مَحَلَّ بَحْثِهم لقطعيَّته، ولما ظهَرَ القولُ بخلافِ ذلك مِن بعضِ أهلِ الضلالِ، أكثَرَ العلماءُ مِن إيرادِ الأدلَّةِ وحكايةِ الإجماعِ على علوِّ اللهِ؛ كما حكاه الأوزاعيُّ (١)، وقُتَيْبةُ بن سَعِيدٍ (٢)، وخلقٌ.

ومَن نفى علوَّ الله، فقد كابَرَ الفِطْرةَ والعقلَ والنقلَ!

ومع تضافُرِ الأدلَّةِ مِن الحسِّ والنصِّ، فقد كابَرَتْ طوائفُ مِن الفلاسفةِ والمتكلِّمينَ، ونفَتِ العلوَّ، ومع صراحةِ الأدلَّةِ الشرعيَّةِ التمَسُوا مِن الأدلَّةِ ما يُوافِقُ تلك الضلالةَ:

وذلك كاستدلالِ بعضِ المتكلِّمينَ بقولِ يُونُسَ -عليه السلام-، وهو في بطنِ الحُوتِ: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)} [الأنبياء: ٨٧]، وأنَّ خطابَهُ بـ "أنتَ في السماءِ والأرضِ، وفي بطنِ الحُوتِ"، واحدٌ!

وهذا الذِّكْرُ مِن يُونُسَ استغاثةٌ وتذلُّلٌ، واللهُ يَسمَعُهُ ويراهُ، لا يحولُ دُونَهُ شيء، واليومَ يُهاتِفُ الرجلُ رجلًا مِن أقصى الأرضِ بالاتصالِ، ويقولُ له: "أنتَ"؛ لأنَّه يَسمَعُ كلامَهُ، وَيرُدُّ عليه، ولكنْ إذا أرادتِ النفوسُ التماسَ شاهدٍ لِمَا تراهُ، وجَدَتْ، ولو كان أَوْهَى مِن بيتِ العنكبوت، وعَمِيَتْ عن صراحةِ الأدلَّةِ النَّيِّرةِ؛ كالشمسِ في رائعةِ النهار.

* العلوُّ والمَعِيَّة:

يجبُ إثباتُ علوِّ اللهِ على خَلْقِه، وأنَّه مع ذلك مع خلقِهِ بعلمِهِ وإحاطتِه؛ فهو مُستَوٍ على عرشِه، وعلمُهُ في كلِّ مكان؛ قال مالكٌ: "اللهُ


(١) "الأسماء والصفات" (٨٦٥).
(٢) "العلو" (٤٧٠).

<<  <   >  >>