للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكلَّما كان الواحدُ منهم أسبَقَ زمنًا وأقرَبَ مكانًا، كان أقرَبَ إلى الصوابِ مِن غيرِه؛ لأنَّ الوحيَ نزَلَ بين أظهُرِهم وبلسانِهِم أو لسانِ مَن حَوْلَهم.

وكلَّما تقادَمَ الزمانُ، وتباعَدَ المكان، ضَعُف اللسان.

وقد يُوجَدُ صحيحُ الاعتقادِ بعيدَ المَنزِل، وقريبُ المَنزِلِ فاسدَ الاعتقاد.

* المَغرِبُ في زمَنِ الصحابةِ والتابعين:

دخَلَ الإسلامُ المَغرِبَ في خلافةِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، ثُمَّ توسَّع في خلافةِ مَن بعدَهُ؛ كعُثْمانَ، ثُمَّ في إمارةِ مُعاوِيةَ، ويَزِيدَ، وعبدِ المَلِكِ بن مَرْوانَ:

فإنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ قد بعَثَ عَمْرَو بنَ العاصِ، وعُثْمانُ بعَثَ عبدَ اللهِ بنَ أبي السَّرْح، ومعاويةُ بعَثَ رُوَيفِعَ بنَ ثابتٍ، ومعاويةَ بنَ حُدَيْجٍ، وعبدَ اللهِ بنَ الزُّبَيْرِ، وعُقْبةَ بنَ نافعٍ، وجاء يزيدُ وأتَمَّ أمرَ عُقْبةَ بنِ نافعٍ.

وكلُّ أولئكَ المبعوثينَ صحابةٌ؛ إلا عُقْبةَ، فمولودٌ زمَنَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-؛ وبه دخَلَ الإسلامَ عامَّةُ المَغرِبِ الأدنى والأوسَط، حتى بلَغَ محيطَهُ الأَطْلَسِيَّ، ومما اشتَهَر عنه قولُهُ: "اللَّهُمَّ، اشْهَدْ أَنِّي قَدْ بَلَغْتُ المَجْهُودَ، وَلَوْلَا هَذَا البَحْرُ، لَمَضَيْتُ فِي البِلَادِ أُقَاتِلُ مَنْ كَفَرَ بِكَ؛ حَتَّى لَا يُعْبَدَ أَحَدٌ دُونَكَ" (١).

ثم اتسَعَ الإسلامُ بعدُ بيَدِ زُهَيْرِ بنِ قيسٍ، وموسى بنِ نُصَيْرٍ، وطارقِ بنِ زيادٍ؛ حتى جاوَزَتِ الأَنْدَلُسَ إلى جنوبِ فَرَنْسَا.


(١) "رياض النفوس" (١/ ٣٩).

<<  <   >  >>