للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحياةُ في هذه الذواتِ صفةٌ حقيقيَّةٌ؛ فتقولُ: حَيِيَتِ الأرضُ وماتَتْ، وحَيِيَتِ الشَّجَرةُ وماتَتْ، وحَيِيَ الإنسانُ وماتَ، وإثباتُ الحقيقةِ لهذه الذواتِ لا يعني تشبيهًا؛ فحياةُ كلِّ ذاتٍ تَختلِفُ عن الأُخرَى، وكذلك في بقيَّةِ الصفاتِ اللازِمةِ للذاتِ، والصفاتِ الفعليَّةِ المتعلِّقةِ بالمشيئة.

وتوهُّمُ أنَّ إثباتَ الحقيقةِ يَلزَمُ منه التشبيهُ، هو الذي حمَلَ بعضَ الطوائفِ على القولِ بالتفويضِ والتعطيلِ؛ ففَرُّوا مِن باطلٍ إلى باطِل، وفَهِمُوا آيةَ نفيِ التشبيهِ والتمثيلِ على غيرِ وَجْهِها؛ فغَلَوْا في معناها غلوًّا حَمَلَهم على القولِ بالبدعة؛ فنَفَوْا أصلَ الحقيقةِ للصفاتِ؛ خوفًا مِن إثباتِ الحقيقةِ المشابِهةِ؛ حتى قال أحمدُ في "الردِّ على الزنادقة": "قالوا: هو شيءٌ لا كالأشياءِ! فقلنا: إنَّ الشيءَ الذي لا كالأشياء، قد عرَفَ العقلُ أنه لا شيءَ؛ فعند ذلك: تَبَيَّنَ أنَّهم لا يُثبِتُونَ شيئًا بشيءٍ، ولكنَّهم يَدْفَعُونَ عن أنفُسِهم الشِّنْعةَ بما يُقِرُّونَ مِنَ العلانيَةِ" (١)؛ واللازمُ لنَفْيِ حقيقةِ الصِّفات: تعطيلُ الذاتِ والتشبيهُ بالمعدومات، ولا يَلزَمُ لإثباتِ الحقيقةِ: التشبيهُ، كما قال محمَّدٌ الكَرْجِيُّ القَصَّاب في "نُكَت القرآن" (٢).

* تاريخ مَذهَبِ التفويض:

ولا يُعرَفُ في أقوالِ أحدٍ مِن الصحابةِ ولا التابِعِينَ ولا أتباعِهم: تفويضُ حقيقةِ الصفات، وإنْ أخَذَ مَن لم يَعرِفْ مَناهِجَهم بعضَ إطلاقاتِهم، فحمَلَها على التفويض، فهؤلاءِ إنما أخَذُوا اللفظَ المحتَمِلَ، ولم يَعرِفُوا سياقَهُ، ولا المواضعَ الأُخرى القاطِعةَ بتفسيرِه.

وإنْ كان بعضُ الأئمَّةِ مِن أهلِ السُّنَّةِ يُشيرُ إلى اعتقادِ بعضِ الناسِ


(١) "الرد على الجهمية والزنادقة" (ص ٩٩).
(٢) (٤/ ٦٨).

<<  <   >  >>