للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المشرِقِ والمغرِبِ، وما يَربِطُ بهما مِن عراقِ العرَبِ والشامِ، وإنْ كان العراقُ يَعُدُّهُ أهلُ الحجازِ شرقًا، والشامُ يَعُدُّونَهُ غربًا.

* أثَرُ المَشرِقِ على المَغرِب:

والمذاهبُ الإسلاميَّةُ في المَغرِبِ في الأصولِ والفروعِ، إنما أُخِذَتْ مِن المشرقِ؛ حتى مذهبُ أهلِ الظاهِرِ لم ينشأْ في المغرِبِ؛ وإنما نَشِطَ فيه، ونشأتُهُ مشرقيَّة.

ومَن نظَرَ في عامَّةِ متكلِّمي الأشاعِرةِ في المَشرِق، وجَدَ أنهم لا يكادونَ يذكُرُونَ متكلِّميهم في المَغرِب؛ بخلافِ المغارِبةِ مع متكلِّميهم في المَشرِق، حتى القرنِ التاسع.

* فلسفة اليُونان وأثَرُها على المتكلِّمِين:

وبعضُ العلومِ كالفلسفةِ أصلُها في الغربِ؛ فقد كان رؤوسُ الفلاسفةِ يونانيِّين، ولكنْ لم تُؤَسْلَمْ فلسفتُهم إلا في المشرقِ أوَّلَ الأمر، ثم أخَذَها المغاربةُ بعد أَسْلَمَتِها من الشرقِ، ولم يُؤسْلِمُوها بأنفسِهم.

وقد ذكَرَ الفيلسوفُ اليهوديُّ ابنُ مَيْمونٍ القُرْطُبيُّ (١): أنَّ كلَّ ما قالَتْهُ المعتزِلةُ والأشاعِرةُ في علمِ الكلامِ مبنيٌّ على مقدِّماتٍ مأخوذةٍ كلِّها مِن كتبِ اليونانيِّينَ والسُّرْيانيِّينَ، الذين رامُوا مخالَفةَ آراءِ الفلاسِفةِ الذين يَطْعُنُونَ في دِينِهِمُ النَّصْرانيِّ، ودعَمَهُمْ ملوكٌ يريدونَ منهم حمايةَ دِينِهم مِن تلك الآراءِ الفلسفيَّةِ التي تَهُدُّ قواعدَ شَرِيعَتِهم؛ فنشَأَ فيهم علمُ الكلامِ، وعنهم أخَذَ المعتزِلةُ، ثم الأشاعِرة، وطبَّقوه بزَعْمِهم حمايةً للدِّينِ مِن تلك الآراءِ، واختارُوا مِن آراءِ الفلاسِفةِ ما رأَوْهُ مستقيمًا على طَرِيقَتِهم؛


(١) "دلالة الحائرين" (١/ ١٨٠).

<<  <   >  >>