للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيمن ارتَدَّ مِن اليهودِ (١)، وفيه قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ، فَاقْتُلُوهُ) (٢)، وقد قاتَلَ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ والصحابةُ المرتدِّين.

ومَن كان له شَوْكةٌ وقُوَّةٌ مِن المرتدِّينَ، ولا قِبَلَ للمسلِمِينَ به، فتجوزُ مهادَنتُهُ ومسالَمَتُهُ لمصلحَتِهِمْ، وحفاظًا على شَوْكَتِهم؛ كما كانت طوائفُ مِن الفِرَقِ تقيمُ بين المسلِمِينَ وهي واقعةٌ في مكفّراتٍ كثيرةٍ، وكان المسلِمُونَ يترُكُونَهُمْ ويُهادِنُونَهُمْ، وربَّما عامَلُوهم عند الحاجة؛ وذلك لكثرةِ الطوائفِ وانشغالِ المسلِمينَ بأمورِ جَمَاعَتِهم، وربَّما بعدوٍّ مِن خارِجِهم يَخشَوْنَ تربُّصَهُ بهم.

* شُبُهاتٌ في حُرِّيَّةِ تَركِ الإسلام:

وأمَّا الاستدلالُ ببعضِ الأدلَّةِ التي يَظهَرُ منها قَبُولُ الرِّدَّةِ، أو زعَمَ بعضُهم منها مساواةَ الإسلامِ بغيرِهِ؛ كقولِ اللهِ تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: ٢٥٦]، وقولِهِ تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: ٢٩]-: فهذه ليست أدلَّةً لمسألتِنا هذه:

* أمَّا قولُهُ تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: ٢٥٦]: فقد نزَلَتْ في اليهودِ الذين بَقُوا على يهوديَّتهم، وأراد بعضُ الصحابةِ إكراهَهُمْ على الدخولِ ابتداءً في الإسلام.

وهذا لا إشكالَ فيه؛ فإنَّه لا يجوزُ إكراهُ أهلِ الكتابِ عليه ابتداءً؛ كما تقدَّم بيانُه؛ وهذا -مع كونِهِ لا يعني الإقرارَ بصِحَّةِ دِينِهم، ولا أنَّهم لو دخَلُوا الإسلامَ، جاز لهم الخروجُ منه- فتلك مسائلُ مختلِفةٌ؛ كما


(١) البخاري (٤٣٤١ و ٤٣٤٢ و ٤٣٤٤ و ٤٣٤٥ و ٦٩٢٣)، ومسلم (١٧٣٣).
(٢) البخاري (٣٠١٧ و ٦٩٢٢) من حديث ابن عباس.

<<  <   >  >>