للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

* سببُ تَفْضِيلِ السَّلفِ:

وعِلَّةُ التفضيلِ ليست لمجرَّدِ احتواءِ الزمان، وإنما لِقُرْبِهم مِن العهدِ الأوَّلِ، ونزولِ الوحيِ، وأقرَبُهم إليهم أفضَلُهُمْ غالبًا؛ وإلَّا ففي زمانِهِمْ مِن الكُفَّارِ والمنافِقِينَ والعُصَاةِ ما هو معلومٌ، ولكنْ مَن قام بالدِّينِ منهم والحَقِّ، فهو أصَحُّ قولًا، وأصوَبُ عملًا، وأصدَقُ نِيَّةً؛ لطهارةِ قلوبِهم، وصِحَّةِ لسانِهم، وقُرْبِهم مِن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وعَهْدِه؛ فلم يَتباعَدْ بهم العهدُ حتى يقَعَ الخلافُ والفتنةُ؛ كما وقَعَ فيمن جاء بعدَهم.

فالخلافُ كان زمَنَ الصحابةِ أضيَقَ منه في زمَنِ التابعين، وهو في زمَنِ التابعين أضيَقُ منه في زمَنِ الصحابةِ، وهكذا، ومَن نظَرَ في كتبِ فقهِ السلفِ، وجَدَ ذلك ظاهرًا، ولا يعني ذلك سُوءَ القصدِ، ولكنَّه بُعْدُ العهد.

وقد قرَنَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ذَهَابَ الصحابةِ وأثَرَهُ على مَن بعدَهم، بذَهَابِهِ وأثَرِهِ على الصحابة؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي؛ فَإِذَا ذَهَبْتُ، أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي؛ فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي، أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ) (١).

وذلك الاقترانُ لبيانِ أنَّ العلةَ في الأمانِ هي القُرْبُ مِن الوحيِ والاعتصامُ به؛ فلا أعظَمَ وأشدَّ قربًا مِن ربِّه كالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ يليه أصحابُهُ؛ فكان الأمانُ للصحابةِ والأُمَّةِ بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أعظَمَ مِن غيرِه، والأمانُ بالصحابةِ للتابِعِينَ والأُمَّةِ أعظَمُ مِن غيرِهم ممَّن جاء بعدَهم.


(١) مسلم (٢٥٣١) من حديث أبي موسى.

<<  <   >  >>