للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان أبو العبَّاسِ عبدُ اللهِ بن طالبٍ يقولُ في خطبتِهِ على منبرِ جامعِ القَيْرَوانِ، والعلماءُ والعامَّةُ شهودٌ: "الحمدُ للهِ الذي يُشكَرُ على ما به أنعَمْ، والحمدُ للهِ الذي عذَّب على ما لو شاءَ منه عصَمْ، والحمدُ للهِ الذي على عرشِهِ استَوَى، وعلى مُلْكِهِ احتَوَى، وهو في الآخِرةِ يُرَى" (١).

وتَبِعَ هؤلاءِ أئمَّةٌ في المغربِ؛ كابنِ أبي زيدٍ القَيْرَوانيِّ صاحبِ "الرسالة"، وفي المغربِ الأقصى مِن الأندلس: أبو القاسمِ مَسْلَمةُ بن القاسم، وابنُ أبي زَمَنِينَ، وأبو عُمَرَ الطَّلَمَنْكِيُّ، وابنُ عبد البَرِّ، ولم يَجْرُوا في أصولِهم مَجْرَى أهلِ الكلامِ والفلسفة.

وقد مَرَّ المَغرِبُ بمِحَنٍ شديدة، ومِن أشدِّ ما مَرَّ به أصحابُ مالكٍ في المَغرِبِ مِن محنٍ في تلك القرونِ: حُكْمُ الأَغالِبَة، وحكمُ الفاطميِّين، وحكمُ الموحِّدين؛ الأوَّل: حَنَفِي -معتزليٌّ وغيرُ معتزليّ-، والثاني: باطني، والثالثُ: أشعريٌّ غالٍ.

* التأويلُ والتفويضُ في كلامِ بعضِ أهلِ السُّنَّة:

وقد يُوجَدُ في تقريراتِ بعضِ هذه الطَّبَقةِ تفريعاتٌ كلاميَّة، لا تأصيلاتٌ، أو ما يشابِهُ فروعَ أهلِ الكلام ولم يخرَّجْ على أصولهم، وتأتي في سياقِ كلامِهم وثنايا استطرادِهم، ولا يذكُرُونَ تلك الفروعَ تقريرًا، وربَّما ظَنَّ مَن يقرأُ بعضَ استطراداتِهم وتفريعاتِهم: أنَّ أصولَهُمْ كلاميَّةٌ، وليس كذلك:

• فابنُ عبد البَرِّ قرَّر عقيدةَ السلفِ وأهلِ السُّنَّةِ في الصفاتِ في قولِه: "أهلُ السُّنَّةِ مُجمِعونَ على الإقرارِ بالصفاتِ الواردةِ كلِّها في القرآنِ


(١) "ترتيب المدارك" (٤/ ٢١٤).

<<  <   >  >>