للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأُصول، وكان نحويًّا يأذَنُ له شيخُه الباقلانيُّ أن يصحِّحَ كُتُبَه مِن جهةِ النَّحْو، ويَنْهاهُ عمَّا عدا ذلك (١).

* أثَرُ الاعتزالِ في قَبُولِ علمِ الكلامِ على طريقةِ الأشاعِرةِ:

وقد بلَغَتِ المعتزِلةُ المغرِبَ بالكلامِ والنَّظَر، وعامَّةُ أهلِ المغرِبِ أهلُ حديثٍ وأثَر، وكان دخولُ علمِ الكلامِ على طريقةِ الأشاعِرةِ مؤثِّرًا في تلقِّي المغارِبةِ له؛ لأنه الحُجَّةُ التي يَرُدُّونَ بها على المعتزِلةِ؛ فيَرُدُّونَ عليهم بلُغَتِهم، ولو دخَلَ علمُ الكلامِ المغرِبَ على طريقةِ الأشاعِرةِ أوَّلَ الأمرِ، لم يكنْ له قَبُولٌ ولا نظَرٌ ولا تمكُّن، ولكنْ سبَقَهُ شرُّ الاعتزالِ وفتنتُهُ؛ فرقَّق علمُ الكلامِ بعضُهُ بعضًا.

وقد ذكَرَ الفيلسوفُ ابنُ مَيْمونٍ القُرْطُبيُّ في القرنِ السادسِ (٢): أنَّ علمَ الكلامِ على طريقةِ المعتزِلةِ نشَأَ في مُسلِمِي المَغرِبِ قبلَ دخولِهِ على طريقةِ الأشاعِرةِ فيهم، حتى أخَذَ يهودُ الأَندَلُسِ علمَ الكلامِ مِن المعتزِلة.

* مراتبُ المخالفينَ تقتضي مدحَ الأقرَبِ واللِّينَ معه:

ومِن هذا البابِ: مدحُ جماعةٍ مِن الأئمَّةِ بعضَ المنظِّرِينَ مِن المتكلِّمينَ على طريقةِ الأشاعِرةِ؛ لأنَّ غالبَهُ كان مقترِنًا بزمَنِ شِدَّةِ النزاعِ بين المعتزِلةِ والأشاعِرةِ، وكان لهم فضلٌ في صَدِّ عاديةِ المعتزِلةِ، وكان ابنُ أبي زَيْدٍ يُثنِي على الأشعريِّ، مع كونِهِ ليس مِن أهلِ الكلامِ ولا النَّظَرِ فيه، بل كان محذِّرًا منه.

وثناؤُهُ على الأشعريِّ وأصحابِهِ إنما كان لأَثَرِهم على أهل البِدَعِ، وردِّهم على المعتزِلةِ والجهميَّة، وقد قال في أبي الحسَنِ الأشعريِّ لمَّا وقَعَ فيه المعتزِلةُ: "هو رجُلٌ مشهورٌ؛ أنَّه يَرُدُّ على أهل البِدَعِ وعلى


(١) "فِهرِس ابنِ عَطِيَّة" (ص ٥٥).
(٢) "دلالة الحائرين" (١/ ١٨٠ - ١٨١).

<<  <   >  >>