للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نصوصِها؛ بلا تكييفٍ ولا تفسيرٍ ولا تشبيهٍ؛ حتى كانوا يُسمَّوْنَ مِن خُصُومِهم بـ: "الحَشَويَّةِ"؛ كما قال أبو القاسمِ بنُ حَوْقَلٍ في أهلِ السُّوسِ: "والمالكيَّةُ مِن فُظَّاظِ الحَشَويَّة" (١).

وكلما تقدَّم الزمَنُ في المغرِبِ، اتسَعَ القولُ بالكلامِ مع الأعوامِ، حتى تقرَّر وثبَتَ ورسَخَتْ أصولُهُ في مجالسِ العلمِ والكتبِ بأيدي المغارِبةِ أنفسِهم، بعدما كان بأيدي غيرِهم.

وثانيها: انتقالُ كتبِ المشارِقةِ إلى المغرِبِ مع الرُّسُلِ والنُّسَّاخ، وقد كان بعضُ المعتزِلةِ ممَّن يزعُمُ اتباعَ مذهبِ مالكٍ في العراق، يُكاتِبُ أصحابَ مالكٍ بالمغربِ بالاعتزالِ ويدعوهم إليه؛ فقد كتَبَ عليُّ بنُ أحمَدَ البغداديُّ رسالةً إلى أهلِ المغرب بالقَيْرَوانِ يدعوهم إلى الاعتزالِ، ونَفْيِ القَدَرِ، وخَلْقِ القرآنِ، ويزعُمُ أنَّ هذا مذهبُ مالكِ بنِ أنَسٍ؛ لأنه يَعلَمُ إجلالَهم لمالكٍ وقولِه، وقد رَدَّ عليه جماعةٌ مِن المغارِبة، ومنهم ابنُ أبي زَيْدٍ في رسالتِهِ "الرَّدِّ على القدريَّة" (٢).

وكانت بعضُ كتبِ ابنِ مجاهِدٍ صاحبِ أبي الحسَنِ قد أُدخِلَتِ المغرِبَ؛ ككتابِهِ: "عُقُودِ أهلِ السُّنَّةِ"، ورسالتِهِ فيما التمَسَهُ أهلُ الثَّغْرِ مِن شرحِ أصولِ مذاهبِ المتعبِّدين.

وثالثُها: انتقالُ بعضِ المشارِقةِ إلى المغرِبِ ممَّن له نظَرٌ في الفلسفةِ والكلامِ، وهذا قليلٌ؛ كالحُسَيْنِ بنِ حاتِمٍ الأَذَرِيِّ نزيلِ القيروانِ، صاحبِ أبي بكرٍ الباقلَّانيِّ (٣)، ولكِنِ الأَذَريُّ موصوفٌ بالضَّعْفِ في علمِ الكلام، وكان أبو محمَّدِ بن عَطِيَّةَ الأندَلُسيُّ في فِهرِسِه يَصِفُه ببَلادةِ الذِّهْنِ في علمِ


(١) "صورة الأرض" (١/ ١٩١).
(٢) انظر: "ترتيب المدارك" (٦/ ٢١٨)، و"شجرة النَّوْر" (ص ٩٦).
(٣) "تاريخ دمشق" (٤١/ ٤٧١).

<<  <   >  >>