للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال عن النارِ: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: ٢٤, وآل عمران: ١٣١]؛ فإعدادُها سابقٌ لعمَلِ العامِلِين، وأعدَّها اللهُ لسابِقِ علمِهِ وتقديرِه، ولمَّا عُرِجَ بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء، أُرِيَ الجَنَّةَ؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم: ١٣ - ١٥]، وقد أُرِيَ الجنةَ والنارَ في أحاديثَ كثيرةٍ (١).

وقد رأى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الجَنَّةَ والنارَ في المنام، ورؤيا الأنبياءِ حَقّ، ليست كأحلامِ الناس؛ وبهذا يستدِلُّ أحمدُ على أنَّ الجَنَّةَ والنارَ قد خُلِقَتا؛ كما نقَلَهُ عنه حَنْبَل (٢)، وأدلةُ خلقِ الله للجنة والنار صريحةٌ متواتِرة، وقد جَزَم أحمدُ بكفرِ منكِرِ ذلك؛ كما نقله عنه الأندرانيُّ وغيرُه (٣).

وكلُّ مَن نَفَى القَدَرَ، لَزِمَهُ القولُ بنفيِ سَبْقِ خَلْقِ الجنَّةِ والنار.

* خُلود الجَنَّة والنار:

وقد قالت بعضُ الطوائفِ: إنَّ أفعالَ اللهِ لها آخِرٌ، ومنها الجَنَّةُ والنارُ، وعلى هذا تَفْنيَانِ؛ وهو قولُ الجَهْمِ بنِ صَفْوانَ (٤).

وربَّما استدَلَّ بعضُهم ببعضِ عموماتِ القرآنِ؛ كقولِهِ تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: ٨٨].

ويُجمِعُ السلَفُ على أنَّ الجنَّةَ والنارَ لا تَفْنَيَانِ، وإنَّما ثَمَّةَ كلامٌ قليلٌ لبعضِهم في فناءِ النار (٥)، وقد ذكَرَ اللهُ أبديَّةَ النارِ في مواضعَ مِن


(١) كما في حديث أسماء عند البخاري (٨٦)، ومسلم (٩٠٥). وحديث أنس أيضًا عند البخاري (٥٤٠)، ومسلم (٤٢٦).
(٢) "طبقات الحنابلة" (١/ ٣١١).
(٣) "طبقات الحنابلة" (٢/ ٣٣٩).
(٤) "مقالات الإسلاميين" (٢/ ٣٩٦)، و"درء التعارض" (٢/ ٣٥٨).
(٥) انظر: رسالة "رفع الأستار"، و"الرد على من قال بفناء الجنة والنار".

<<  <   >  >>