للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنَّما قَوِيَتْ شوكةُ أهلِ الظاهِرِ في المَغرِبِ الأقصى بعدَ ابنِ حزمٍ، وانتشَرَ مذهبُهُمْ حتى القرنِ السابعِ؛ فضَعُفُوا حتى كأنْ لم يكنْ لهم فيها أثَرٌ.

وكتبُ الأئمَّةِ المشارِقةِ السابِقِينَ في العقائدِ معروفةٌ، ولم يكنْ أهلُ المغربِ يَرُدُّونَ على شيءٍ منها، ومِن ذلك: كتبُ أبي جعفرٍ الطَّحَاويِّ الحَنَفيِّ؛ فقد كتَبَ رسالتَهُ في "معتَقَدِهِ ومعتَقَدِ أئمَّةِ مذهبِهِ أبي حنيفةَ وأصحابِه"، وكتَبَ في فروعِهم وأدلَّتِها: "مُشكِلَ الآثار"، و"معانيَ الآثار"، وغيرَهما.

ولم يَرُدَّ عليه المالكيُّونَ إلا في الفروعِ؛ كما رَدَّ عليه شيخُ ابنِ أبي زيدٍ القَيْرَوانيِّ: أبو الفضلِ العبَّاسُ المُمْسِيُّ في تحريمِ المُسكِرِ.

وكثرةُ ردودِهم في الفروعِ في تلك الطَّبَقةِ دليلُ اتفاقِهم في الأصول؛ فإنَّهم لم يكونوا يَختَلِفونَ مع الشافعيِّ ولا أصحابِهِ في عقائِدِهم، ولا لهم في القرنِ الثالثِ كبيرُ شيءٍ مِن كتبٍ في أصولِ الدِّينِ؛ لاستقرارِ الأمرِ على السُّنَّة، وجَرَيانِهِ على الفِطْرة.

* أسبابُ تأخُّرِ ذيوعِ علمِ الكلامِ في المَغرِب:

وقد كان ما بين المَشرِقِ والمَغرِبِ مِن البلدانِ -كجزيرةِ العرَبِ وما علاها مِن علماءِ العراقِ والشامِ- حائلًا عن وصولِ علمِ الفلسفةِ والكلامِ إلى المغربِ؛ فشَغَلُوا فلاسفةَ المشرقِ الأقصى ومتكلِّميهم بالردِّ والنقضِ والتحذيرِ، ونازَعُوهم بالحُجَّةِ والبرهانِ؛ فحُبِسَتْ تلك البدعةُ في العراقِ والشامِ، ولم تَنتقِلْ إلى المغربِ إلا بعدَ نحوِ مِئَتَيْ سَنَةٍ مِن ظهورِها في المشرِقِ؛ على يَدِ الجَعْدِ بنِ دِرْهَمٍ، فالجهمِ بنِ صَفْوانَ، فبِشْرٍ المَرِيسِيِّ، فأحمدَ بنِ أبي دُؤَادٍ، وطَبَقَتِهم وأصحابِهم مِن المعتزِلة، وكذلك: مَن

<<  <   >  >>