للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: أنَّ المعنى الذي أثبَتُوهُ بعدَ تأويلِهِمْ، هو نَفْسُ المعنى الذي يكونُ مِن المخلوقِ عند صرفِ حقيقةِ صفتِهِ عن ظاهِرِها:

فمثَلًا: الاستواءُ والنزولُ: فمَن يُثبِتُهما على الحقيقةِ التي تليقُ بالخالق، وينزِّهُهما عن الحقيقةِ التي تليقُ بالمخلوق، لم يُشبِّهْ خالقًا بمخلوقٍ، ولم يتأوَّلْ، ومَن نفى الحقيقةَ التي تليقُ بالخالقِ، فتأوَّلَ الاستواءَ بالعلوِّ، والنزولَ بالرحمةِ، استعمَلَ لغةَ العرَبِ في هذا الموضعِ على المعنى الذي يَصِحُّ مِن المخلوقِ والخالقِ جميعًا كذلك، وإنِ اختلَفَ علوُّ الخالقِ ونزولُهُ عن علوِّ المخلوقِ ونزوله، فليست رحمةُ اللهِ كرحمةِ المخلوقِ، ولا علوُّهُ كعلوِّه؛ فلماذا لا يُثبِتُونَ الصفاتِ على الحقيقةِ، ويَنفُونَ ما يليقُ بالمخلوقِ؛ كما يُثبِتُونَ المعانيَ بالتأويل، ويَنفُونَ ما يليقُ بالمخلوق؟ !

* الإقرار بإثبات الصفة يُبطِلُ التفويض:

والله -عز وجل- لا يُنزِلُ شيئًا في كتابِه، ويريدُ أن يتلُوَ الناسُ الحروفَ، ولا يَفهَمُونَ شيئًا مِن المعاني بإطلاق، والذين يقولونَ بتفويضِ الصفات، وأنه لا يُعلَمُ معناها، يَتناقَضُون؛ وذلك أنَّهم يسمُّونها صفةً، ثم يفوِّضون معناها كلَّه، ويَنفُونَ حقيقَتَها؛ فكيف عرَفُوا أنها صفةٌ إِذَنْ؟ ! فالحكمُ على المعنى بكونِهِ صفةً إثباتٌ للعلمِ بقَدْرٍ من معناه؛ فإنَّ مجرَّدَ إضافةِ الشيءِ للربِّ ليس دليلًا وحدَهُ لكونِ المضافِ صفةً للمضافِ إليه؛ فالإضافةُ لله قد تكونُ إضافةَ تشريف، وقد تكونُ إضافةَ صفةٍ، وتحديدُ إحدى الإضافتَيْنِ إقرارٌ بالمعنى حقيقةً.

وقد صنَّف جماعةٌ مِن المَغارِبةِ كُتُبًا في إثباتِ حقيقةِ الصفاتِ، والردِّ على المتكلِّمينَ والمعطِّلةِ؛ كسعيدِ بنِ الحدَّادِ في كتابِ "الاستواء"،

<<  <   >  >>