للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النوعُ الثاني: حقيقةٌ ظاهِرةٌ تليقُ بالمخلوقِ، وهي تَظهَرُ عند إضافةِ الصفةِ إلى المخلوق؛ وهذه تُثبَتُ لصفةِ المخلوق، ويجبُ نفيُها عن صفة الخالِقِ؛ لقولِهِ تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١]؛ وهذه الحقيقةُ اللائِقةُ بالمخلوقِ لا تَظهَرُ مِن إضافةِ الصفةِ إلى اللهِ تعالى، إلَّا عندَ المعطِّلةِ والمشبِّهةِ؛ وهو ما أدَّى بهما إلى نفيِ الصفةِ بحقيقتِها اللائِقةِ باللهِ تعالى وتعطيلِها.

وقد كان السلفُ يَنفُونَ أن يكونَ إثباتُ الحقيقة يَلزَمُ منه التشبيه؛ ولذا يقولُ إسحاقُ بنُ راهويه: "إنما يكونُ التشبيهُ إذا قال: يدٌ كيَدٍ أو مثلُ يد، أو سَمْعٌ كسَمْعٍ أو مثلُ سَمْع، فإذا قال: سَمْعٌ كسَمْعٍ أو مثلُ سَمْعٍ فهذا التشبيه، وأما إذا قال -كما قال الله تعالى-: يدٌ وسمعٌ وبَصَر، ولا يقولُ: كَيْف، ولا يقول: مِثل سَمْع، ولا: كسَمْع، فهذا لا يكونُ تشبيهًا" (١).

وقد أراد إسحاقُ أن يدفَعَ التوهُّمَ الذي يَقَعُ في بعض النُّفوس؛ أن إثباتَ الحقائق يلزَمُ منه القولُ بتشبِيهها.

فقد كان المعطِّلةُ يَنفُونَ حقائقَ الصفاتِ خوفًا مما يَلِيقُ بالمخلوقِ؛ فحمَلَهُمْ ذلك على تأويلِ الصفات، ثُمَّ هم تأوَّلوا الصفاتِ على معانٍ لا تخرُجُ عمَّا فرُّوا منه مِن حقائقِ الصفات؛ فالذي انتَهَوْا إليه مِن تأويلِها تضمَّن محظورَيْن:

الأوَّلُ: أنَّ قولهم هذا هو تعطيلٌ في صورةِ تأويل؛ فصرَفُوا الصفةَ عن الحقيقةِ المرادةِ إلى غيرِها؛ فتعطَّلَتْ عن المقصود.


(١) الترمذي بعد حديث (٦٦٢).

<<  <   >  >>