للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

* الحَرْفُ والصَّوْت:

ومِن هنا نشَأ الكلامُ على مسألة "الحَرْفِ والصَّوْتِ"، وأنَّ الله تكلَّم بكلامٍ حرفًا وصوتًا؛ لأنَّ الكلامَ في اللغةِ في الأصلِ لا يُطلَقُ إلا على ما كان بحرفٍ وصوت، وأمَّا غيرُهُ، فيحتاجُ إلى تقييدٍ؛ كأنْ يقال: "كلامٌ مكتوبٌ"، و "كلامٌ في النَّفْس"، واللهُ أثبَتَ الصوتَ لنفسِهِ بقولِه: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (١٥) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ} [النازعات: ١٥ - ١٦]، والنداءُ لا يكونُ إلا بصوتٍ، ويقولُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ) (١)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ) (٢)، ويقولُ كما في "الصحيح": (يُنَادَى بِصَوْتٍ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرَّيتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ) (٣)، وفي السنن أن المناديَ هو الله (٤).

وقد سمَّى اللهُ المسموعَ كلامَهُ ووَحْيَهُ: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه: ١٣]، وقال: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: ٦]، ولا يكونُ السمعُ في لغةِ العرَبِ إلا بصوتٍ.

وهذا ما يقرِّرُهُ السلَفُ صحابةً وتابِعِينَ، وأتباعَهم وأتباعَهم؛ قال ابن مسعود: "إِذَا تَكَلَّمَ اللهُ بِالوَحْي، سَمِعَ صَوْتَهُ أَهْلُ السَّمَاءِ" (٥)؛ وهذا ما يُثبِتُهُ الأئمَّة؛ كأحمدَ والبخاريِّ، وصنَّف فيه أئمَّةٌ مصنَّفاتٍ؛ كابن مَنْدَه، وأبي نَصْرٍ السِّجْزيِّ، والنوويِّ، وكان الأئمَّةُ يشدِّدون على المخالِفِ في


(١) البخاري (٢٤١٩)، ومسلم (٨١٨) من حديث عمر.
(٢) الترمذي (٢٩١٠) من حديث ابن مسعود.
(٣) البخاري (٤٧٤١ و ٧٤٨٣) من حديث أبي سعيد.
(٤) الترمذي (٣١٦٩).
(٥) "السُّنَّة" لعبد الله (٥٣٦)، و"الإبانة" لابن بطة (١٦/ الرد على الجهمية)، وعلقه البخاري (٩/ ١٤١) بنحوه.

<<  <   >  >>