للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العبادةِ كما يَفهَمُهُ البشَرُ، وعبادتُها تسخيريَّةٌ مِن جنسِ عبادةِ الجَمَادات، ولكنْ لها اختيارٌ ومشيئةٌ دنيويَّةٌ، تَعمَلُ وتدبِّرُ باختيارِها، وتُحاسَبُ على خَطَئِها الذي تَفهَمُهُ في الدنيا والآخِرة؛ ومِن ذلك قولُهُ -صلى الله عليه وسلم-: (لَيَقْتَصَّنَ اللهُ لِلشَّاةِ الجَمَّاءِ مِنَ الشَّاةِ القَرْنَاءِ) (١)، وفي "الصحيحَيْن": أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ أُمَّ شَرِيكٍ بِقَتْلِ الأَوْزَاغِ، وَقَالَ: (كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (٢).

ومِن ذلك: إدراكُ الفأرِ لبعضِ ما تفعَلُهُ مِن شيء؛ كما روى البخاريُّ عن جابرِ بنِ عبد الله -رضي الله عنهما-؛ قال: قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أَطْفِئُوا المَصَابِيحَ؛ فَإِنَّ الفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا جَرَّتِ الفَتِيلَةَ؛ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ البَيْتِ) (٣).

وإدراكُ البهائِمِ للأوامِرِ الدنيويَّةِ مفطورةٌ عليه بطَبْعِها؛ ولهذا فهي تَختلِفُ وتَتبايَنُ بحسَبِ جِنْسِها ونَوْعِها؛ فبهيمةُ الأنعامِ ليست كالسِّبَاع؛ فالشِّيَاهُ إنْ تَناطَحَتْ، تحاسَبَتْ، ولو أكَلَ السَّبُعُ الشاةَ، لم يُحاسَبْ؛ لأنَّ اللهَ جعَلَ رزقَ السَّبُعِ فيها، ولم يَجعَلْ رزقَ الشياهِ بعضِها مِن بعضٍ.

* رسالةُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وكتابُه:

* قَالَ ابْنُ أَبي زَيْدٍ: (ثُمَّ خَتَمَ الرِّسَالَةَ وَالنِّذَارَةَ وَالنُّبُوَّةَ بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ فَجَعَلَهُ آخِرَ المُرْسَلِينَ، بَشِيرًا وَنَذِيرَا، وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرَا):

بعَثَ اللهُ في كلِّ أُمَّةٍ رسولًا؛ لتبليغِ عبادتِهِ وحقِّه عليهم؛ لأنَّ العبادةَ هي الحِكْمةُ مِن الخَلْق: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦]، وقد ذكَرَ اللهُ أنه لم يَدَعْ أُمَّةً مِن الأُمَمِ إلا وقد أقام عليهِمْ


(١) مسلم (٢٥٨٢) من حديث أبي هريرة؛ بنحوه.
(٢) البخاري (٣٣٥٩)، ومسلم (٢٢٣٧).
(٣) البخاري (٣٣١٦ و ٦٢٩٥).

<<  <   >  >>