للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* وأمَّا التنزيهُ: فإنَّ اللهَ لا يشاءُ مِن الأقدارِ إلا ما هو خيرٌ كامِلٌ أو غالِبٌ، وله حكمةٌ فيه كلِّه، وما لا يشاؤُهُ اللهُ، لم يُذكَرْ في الحديثِ؛ لأنَّ الله ينزَّهُ عن العبَثِ؛ فما اختار الله مِن التقديرِ إلَّا ما هو أحسَنُ مِن غيرِه، وأتَمُّ وأحكَم، وما لم يَشَأْهُ دون ما شاءَهُ حُسْنًا وتمامًا وحِكْمةً، ويَختلِفُ التبايُنُ في ذلك بحسَبِ اختلافِ الأعيانِ والأفعالِ والأحوالِ، والأزمانِ والأمكِنة.

وقد جعَلَ اللهُ خَلْقَهُ على نوعَيْنِ في بابِ الاختيارِ والمشيئةِ:

* خَلْقٌ: لا اختيارَ لهم ولا مشيئةَ؛ كالجَمَاداتِ مِن الكواكبِ والنجوم، والحَجَرِ والتُّرَاب؛ فهذه غيرُ مكلَّفةٍ؛ لأنَّها غيرُ مختارة.

* وخَلْقٌ: لهم اختيارٌ ومشيئةٌ؛ وهم على قسمَيْنِ:

أوَّلًا: مكلَّفونَ بالدِّينِ والدنيا؛ وهم العُقَلاء؛ كالملائكةِ والإنسِ والجِنّ؛ فهؤلاءِ يُمدَحُونَ بحسَبِ ما يختارونَهُ مِنَ الامتثالِ لله، وبحسَبِ ما يجدونَهُ مِن صبرٍ على ذلك ومشقَّةٍ وشِدَّة:

وقد جعَلَ اللهُ في بعضِهم: شَهَواتٍ ورَغَباتٍ يَبتلِيهِمْ بها، ويَختَبِرُهُمْ في اتباعِ أمرِه، وتقديمِهِ على شَهَواتِهم ورَغَباتِهم؛ وهذا كالإنسِ والجِنّ.

ولم يَجعَلْ في خِلْقةِ بعضِهم شيئًا مِن الشهواتِ والغرائزِ تُنازِعُهم الحقَّ؛ ولهذا فهؤلاءِ الملائكةُ لا يَخرُجُونَ عن أمرِ الله؛ كما قال تعالى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: ٦].

ومِن هنا: فضَّل أكثَرُ العلماءِ مِن أهلِ السُّنَّةِ: الصالِحِينَ مِن بني آدَمَ على الملائكةِ.

ثانيًا: مكلَّفونَ بالدنيا بلا عَقْلٍ؛ وهي البهائِمُ؛ فاللهُ خلَقَها، وجعَلَ فيها إدراكًا، ولم يَجعَلْ فيها عقلًا؛ فتُدرِكُ دنياها، ولا تَفهَمُ تكاليفَ

<<  <   >  >>