وكلُّ مَن صحَّ له العقلُ، آمَنَ أنَّ مَن ثبَتَ له كمالُ العلم، فإنه يثبُتُ له كمالُ التقدير، وهذا الكونُ والخلقُ بنظامِهِ ودِقَّتِهِ وثباتِه، وتلازُمِ أسبابِهِ بمسبَّباتِه، آمادًا لا يُحصِيهَا إلا اللهُ، لا يكونُ إلَّا بتمامِ علمٍ، وإحكامِ خلقٍ، ودِقَّةِ تقدير.
وقد جعَلَ اللهُ ذلك الخلقَ متلازِمًا مع العلمِ والتقدير؛ قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (١٢)} [الطلاق: ١٢].
وإذا كان لله كمالُ العلمِ والقُدْرةِ، فذلك يُثبِتُ له التقديرَ؛ لأنه لا يقدِّرُ إلا عالمٌ قادر، ومَن نفى التقديرَ، فيُلزَمُ بنفيِ العلمِ والقُدْرةِ؛ فالقادرُ على خلقِ الأشياءِ هو الأعلَمُ بها؛ قال تعالى:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك: ١٤]، وقال:{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[الأنعام: ١٠١]؛ والعالِمُ والقادِرُ هو المقدِّرُ لها أفعالَها، والمدبِّرُ لها أرزاقَها، ونظامَ حَيَاتِها؛ كما قال تعالى:{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}[فاطر: ٣].
وقد كان غيرُ واحدٍ مِن الأئمَّةِ؛ كأحمدَ، يسمِّي القدَرَ:"قُدْرةَ اللهِ"(١).
وكان مالكٌ يشدِّدُ على مُنكِري القدَر، ويرى أنَّهم يُستتابُونَ: فإنْ تابوا، وإلا قُتِلُوا، وكان لا يَرَى الصلاةَ خَلْفَهم، ولا يَرَى تزويجَهم؛ ويستدِلُّ بقولِهِ تعالى:{وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ}[البقرة: ٢٢١].
* تقديرُ الخَيْرِ والشَّرّ:
وكلُّ شيءٍ بتقديرِ اللهِ؛ خيرًا كان أو شرًّا؛ كما في حديثِ جبريلَ؛