للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) (١)، ويُروَى في حديثِ جابرٍ؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) (٢).

واللهُ لا يقدِّرُ لعبادِهِ شرًّا محضًا، كما أنَّه لا يخلُقُ شرًّا محضًا ولا راجحًا على الخيرِ ولا مساوِيًا له، إلَّا وهو يَؤُولُ إلى خيرٍ في عمومِه، وقد يَرَى العبادُ وجهًا مِن وجوهِ التقدير، فيَرَوْنَ شرًّا محضًا أو غالبًا أو مساويًا، ويخفى عنهم ما لَوْ رأَوْهُ، لَعَلِموا عظيمَ خلقِ الله وتقديرِهِ وحكمتِه.

وقد شرَعَ اللهُ الاستعاذةَ مِن الشرِّ النِّسْبيِّ الذي يراهُ العبدُ مِن القضاءِ عليه؛ كما في "الصحيحَيْنِ"؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ جَهْدِ البَلَاءْ، وَدَرَكِ الشَّقَاءْ، وَسُوءِ القَضَاءْ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءْ) (٣).

والعقلُ قبلَ النقلِ دالٌّ على أنَّ الخالقَ لا يَخلُقُ شرًّا محضًا، بل يُقِرُّ بهذا فلاسفةٌ؛ كبَارُوخْ سِبِينُوزَا؛ كما في "الرسالةِ الموجَزةِ في الله والإنسان"، وكان مِن أصلٍ يهوديٍّ، فيَرَى بُدُوَّ الشرِّ في الدنيا؛ لأنَّ إدراكَ الناسِ ضعيفٌ محدودٌ؛ لكونِهِ ينظُرُ مِن ناحيةٍ؛ فينقُصُ نظرُهُ للأحداثِ؛ حيثُ يتلقَّى الشرَّ مِن ناحيتِهِ التي يَرَى فحسبُ.

ومَن لم يسلِّمْ للنقلِ، لم يَستقِرَّ له رأيٌ على قدَمٍ؛ فالعقولُ مهما بلَغَتْ، تتبايَنُ نتائجُها في الأمرِ الواحدِ:

فأَفْلَاطُونُ يَرَى الشرَّ مِن الجهل، ليس مِن الآلهةِ وتقديرِها، وسُقْراطُ ينفي القدَرَ كلَّه.


(١) مسلم (٨) من حديث عمر.
(٢) الترمذي (٢١٤٤).
(٣) البخاري (٦٣٤٧ و ٦٦١٦)، ومسلم (٢٧٠٧) من حديث أبي هريرة.

<<  <   >  >>