للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتارَةً يقولُ: الإيمانُ: قولٌ وعمَلٌ (١).

وجميعُ أصحابِ مالِكٍ على هذا، لا يُحفَظُ عن واحدٍ منهم مخالَفةٌ فيه، وكان أبو مُصعَبٍ أحمدُ بنُ أبي بكرٍ -وهو مِن أصحاب مالِكٍ، وفقيهُ المدينة- يقول: "الإيمانُ قولٌ وعَمَل، يزيدُ ويَنقُص، فمَن قال غيرَ هذا فهو كافِر" (٢).

* والطوائِفُ المخالِفةُ في هذا البابِ على سبيلِ الإجمالِ طائفتان:

الطائفةُ الأُولى: المرجِئةُ:

وهم على فِرَقٍ ومذاهِبَ؛ منهم: الغُلَاة، ومنهم: دُونَ ذلك:

فأقرَبُهم مَنزِلةً: مَن جعَلَ العمَلَ مِن الإيمانِ؛ ولكنَّه لم يَجعَلْ له أثَرًا على أصلِه، وإنَّما أثَرُهُ على فرعِهِ؛ أي: أنَّ وجودَ العملِ ونقصَهُ وزوالَهُ يزيدُ الإيمانَ وينقُصُه، ولكنَّ فقدَ العملِ لا يُزِيلُ الإيمانَ.

وهذا القولُ أقرَبُ أقوالِ طوائِفِ الإرجاءِ في الإيمانِ إلى السلَف؛ وبهذا القولِ يقولُ جماعةٌ مِن أئمَّةِ الحديثِ وشُرَّاحِهِ المتأخِّرين (٣)؛ فهم لم يُخرِجُوا العمَلَ مِن مسمَّى الإيمانِ تفريعًا، ولكنَّهم أخرَجُوهُ أصلًا؛ فوافَقُوا السلَفَ في التعبير، وخالَفُوهُمْ في الأثَر.

ومِن المرجِئة: مَن نزَلَ مَرتَبةً عن أولئك (٤)؛ فأخرَجَ العمَلَ كلَّه مِن مسمَّى الإيمان؛ فجعَلَ الإيمانَ قولًا واعتقادًا؛ إذْ لم يكنْ للعمَلِ عندهم أثَرٌ على زوالِ الإيمانِ، فأخرَجُوهُ منه بالكليَّة؛ فوافقَتْ هذه الفِرْقةُ السلَفَ


(١) "مسائل حرب" (١٥٦٨ و ١٥٧٠ و ١٥٧٣)، و "السُّنَّة" لعبد الله (٢١٣ و ٥٣٢ و ٦٣٦ و ٦٣٨ و ٧٠٢).
(٢) "ترتيب المدارك" (٣/ ٣٤٨).
(٣) "فتح الباري" (١/ ٤٦).
(٤) "الفقه الأكبر" (ص ٣٠٤).

<<  <   >  >>