للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأنْ جعَلُوا للإيمانِ ظاهرًا وباطنًا، ولكنَّهم قَصَرُوا الظاهِرَ على القولِ فقطْ، ويأتي الكلامُ على حقيقةِ الإيمان وحُكمِ المخالفينَ فيه.

ومِن المرجِئة: مَن نزَلَ مرتبةً؛ فأخرَجَ القولَ مِن الإيمانِ أيضًا؛ فلم يَجعَلُوا للإيمانِ ظاهرًا بالكليَّةِ، وجعَلُوهُ في القلبِ فقطْ، وللقلبِ قولٌ وعمَلٌ؛ وهؤلاءِ على طائفتَيْن:

- طائفةٌ (١): جعَلَتِ الإيمانَ: قولَ القلبِ؛ وهو المعرِفةُ والتصديقُ؛ وهؤلاءِ غُلَاةُ المُرجِئةِ؛ وهم الجهميَّةُ.

- وطائفةٌ (٢): جعَلَتْ قولَ القلبِ وعمَلَهُ كِلَيْهِما الإيمانَ؛ فقولُ القلبِ: معرفتُهُ وتصديقُه، وأمَّا عمَلُهُ: فخوفُهُ ورجاؤُهُ، ومحبَّتُهُ وتوكُّلُهُ وإخلاصُه.

وقولُ هذه الطائفةِ مع كونِهِ أخفَّ ضلالًا مِن الطائِفةِ الأُولى، إلا أنه يُناقِضُ نَفْسَه؛ وذلك أنَّ عمَلَ القلبِ محبَّةً وخوفًا ورجاءَ وتوكُّلًا، لا يُمكِنُ وجودُهُ إلا مع قولِ اللسانِ وعمَلِ الجوارح.

وكان الأئمَّةُ المغارِبةُ يُنكِرُونَ إخراجَ العمَلِ مِن الإيمان، وجَعْلَهُ في منزِلةٍ مختلِفةٍ عن الاعتقادِ والقول (٣)، ولمَّا نُسِبَ هذا القولُ إلى يحيى بنِ سَلَّامٍ بلا بيِّنةٍ، أنكَرَ عليه الناسُ حتى بلَغَ ذلك ابنَ وَهْبٍ في المشرِقِ، ووصَفَهُ بالمُرجِئ، ثُمَّ زالت التُّهَمةُ عن يحيى ببيانِه، وأنه على ما كان عليه مَن سلفَ؛ كمالكٍ، وسُفْيانَ، وغيرِهما: أنَّ الإيمانَ قولٌ وعمَل (٤).


(١) "مجموع الفتاوى" (٧/ ١٨٨).
(٢) "الملل والنحل" للشهرستاني (١/ ١٠١).
(٣) "التمهيد" لابن عبد البر (٢/ ٢٣٨).
(٤) "طبقات علماء إفريقية" (ص ٣٧ - ٣٨)، و "رياض النفوس" (١/ ١٩١ - ١٩٢).

<<  <   >  >>