للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سَبِيلِهِ} [الأنعام: ١٥٣]، ولن يُوصِلَ صاحبَهُ إلى شيءٍ؛ لأنه حتى وإنْ أصاب الحقَّ صُدْفةً، فقد ضَلَّ بأن اتخَذَ وسيلةً للدَّلَالةِ على اللهِ غيرَ ما شرَعَهُ الله؛ وهذا بذاتِهِ محادَّةٌ للهِ ولرسولِه؛ لأنَّ اللهَ جعَلَ الدِّينَ كاملًا مِن جهتَيْهِ: جهةِ الطريق، وجهةِ الغاية:

أمَّا جهةُ الطريقِ: فقد جعَلَ اللهُ في وحيِهِ كفايةً؛ لهذا أمَرَ بالأخذِ منه، وحذَّر مِن الأخذِ مِن غيرِه، ومَن لم يَجِدْ ما يُرشِدُهُ مِن وحيِهِ، أو قَصُرَ نظرُهُ عن الفهمِ، فهو معذور، ولا يجوزُ له التماسُ حَقِّ اللهِ مِن غيرِ طريقِ اللهِ؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إلَّا هَالِكٌ، ومَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ، فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا؛ فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا؛ فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ، حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ) (١).

وأمَّا جهةُ الغايةِ: فهي العبادةُ التي لأجلِها خلَقَ اللهُ الخلقَ؛ كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦]؛ فليس لأحدٍ أن يَزِيدَ في العبادةِ ما شاء، ولا أن ينقُصَ منها ما شاء؛ فاللهُ أكمَلَ دِينَهُ وأتمَّه، وكلُّ مَن زاد فيه، فقد اتهمَهُ بالنقصان، وكلُّ مَن نقَصَ منه، فقد اتهَمَهُ بالزيادة؛ واللهُ تعالى يقولُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣].

* المجتهِدُ ببِدْعة:

والمجتهِدُ في طريقٍ غيرِ مشروعٍ يؤدِّيه اجتهادُهُ إلى بِدْعةٍ، ليس بمعذورٍ؛ لأنَّ ضلالَهُ: في سلوكِ الطريقِ، قبلَ وصولِهِ إلى الفهم، فهو


(١) أبو داود (٤٦٠٧)، والترمذي (٢٦٧٦)، وابن ماجه (٤٢ - ٤٤). واللفظ لابن ماجه.

<<  <   >  >>