للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذكَرَ اللهُ القرآنَ في أربعةٍ وخمسينَ موضعًا منه؛ فلم يُشِرْ في شيءٍ منها إلى خَلْقِه، وذكَرَ الإنسانَ في ثمانيةَ عشَرَ موضعًا ثُلُثِ ذلك العدَدِ؛ فصرَّح في جميعِها بخَلْقِه؛ كما ذكَرَهُ ابنُ عطيَّة، وقال: "وهذا يدُلُّ على أنه غيرُ مخلوق" (١).

* ظهورُ القول بخَلقِ القرآن في المغرب:

ولمَّا ظهَرَ القولُ بخلقِ القرآن في المغربِ مِن بعض المتكلِّمين؛ كسُلَيْمانَ الفرَّاء، ومحمَّدِ بنِ الكَلَاعِيِّ، ردَّه أئمَّةُ السُّنَّةِ، وكتَبُوا فيه، وقد كتَبَ ابنُ الحدَّادِ وإبراهيمُ الضَّبِّيُّ كتبًا في ردِّ بدعةِ القولِ بخلقِ القرآن.

ولم يكنِ المسلمون في المغرِبِ يَعرِفُونَ القولَ بخلقِ القرآنِ في القرونِ الأُولى، حتى ظهَرَتْ فتنتُهُ في المشرِقِ، وقد همُّوا بقتلِ سُلَيْمانَ الفرَّاء، حينما قال بخلقِ القرآنِ؛ كما ذكَرَهُ ابنُ عذاري المراكشي في "البيان" (٢).

وكان أهلُ الإسلام في المغرِب يَصِفُونَ القائلَ بخلقِ القرآنِ مِن المَغارِبةِ بأنَّهم: "أهلُ العِرَاقِ"؛ لأنَّهم ساروا على نَهْجِهم، وأخَذُوا بقَوْلهم؛ أي: أنَّ هذا القولَ لا يُعرَفُ مِن قبلُ في بلادِهم عند المسلمين، وإنَّما يقولُ به بعضُ فلاسفةِ أهلِ الكِتاب المغارِبةِ في التَّوْرَاةِ والإنجيل، الذين أدخَلُوا الفلسفةَ وعلمَ الكلام في دينِهم على الطريقةِ التي سَلَكَتْها بعضُ الطوائفِ الإسلامية، وقد كان الفيلسوفُ موسى بنُ ميمونٍ القرطبيُّ اليهوديُّ يقول: "بإجماعِ أُمَّتِنا أنَّ التوراةَ مخلوقةٌ"! (٣)، وأصلُ فلاسفةِ


(١) "المحرر الوجيز" (٥/ ٢٢٣).
(٢) "البيان المُغرِب" (١/ ١١٩).
(٣) "دلالة الحائرين" (١/ ١٦٢).

<<  <   >  >>