للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنْ قالوا: لا.

قيل لهم: فإنْ قال: أُقِرُّ بجميعِ ما أمَرَ اللهُ به، ولا أَعمَلُ به؛ أيكونُ مؤمنًا؟ !

فإنْ قالوا: نعم.

قيل لهم: ما الفَرْقُ؟ فقد زعَمْتُمْ أنَّ اللهَ أراد الأمرَيْنِ جميعًا، فإنْ جاز أن يكونَ بأحدِهما مؤمِنًا إذا ترَكَ الآخَرَ، جاز أنْ يكونَ بالآخَرِ إذا عَمِلَ به ولم يُقِرَّ مؤمِنًا؛ لا فرقَ بين ذلك.

فإنِ احتَجَّ، فقال: لو أنَّ رجلًا أسلَمَ، فأقَرَّ بجميعِ ما جاء به النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أيكونُ مؤمِنًا بهذا الإقرارِ قبلَ أن يجيءَ وقتُ عمَلٍ؟ قيل له: إنما يُطلَقُ له الاسمُ بتصديقِهِ أنَّ العمَلَ عليه بقولِهِ أنْ يَعمَلَهُ في وقتِهِ إذا جاء، وليس عليه في هذا الوقتِ الإقرارُ بجميعِ ما يكونُ به مؤمِنًا، ولو قال: أُقِرُّ ولا أَعمَلُ، لم يُطلَقْ عليه اسمُ الإيمان" (١).

* أَثَرُ إِخْرَاجِ العَمَلِ مِن الإِيمانِ:

والأصلُ: أنَّ مَن أخرَجَ شيئًا مِن الإيمانِ؛ سواءٌ القَلْبيُّ أو القَوْليُّ أو العمَليُّ، فإنَّه لا يَجعَلُ للذنوبِ الواقعةِ في الشيءِ الذي أخرَجَهُ أثرًا على الإيمان؛ لأنَّها ليست منه أصلًا؛ فمَن أخرَجَ قولَ اللسانِ مِن الإيمانِ، فلا يَرَى ذنوبَ اللسانِ وكُفْرَهُ مؤثِّرًا على الإيمانِ؛ لأنَّ القولَ عندَهُ ليس مِن الإيمانِ؛ فتبَعًا لذلك لا يأتِي منه كفرٌ أو ذنبٌ مؤثِّرٌ عليه.

وكلُّ طوائفِ الإرجاءِ التي تُخرِجُ العمَلَ مِن الإيمانِ بالكليَّةِ، لا تَجعَلُ لأفعالِ الذنوبِ أثرًا عليه؛ فتقولُ: "لا تَضُرُّ الذنوبُ مع


(١) "شرح أصول الاعتقاد" (١٥٩٠)، و "مجموع الفتاوى" (٧/ ٣٨٨ - ٣٨٩).

<<  <   >  >>