للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التوحيدِ"، وقد كان أئمَّةُ المغربِ يُنكِرُونَهُ؛ كما كان محمَّدُ بنُ سحنونٍ يقولُ: "لا أقولُ ما قالَتِ المُرجِئةُ: لا تَضُرُّ الذنوبُ معَ التوحيدِ" (١).

وأما تعبيرُ ابنِ أبي زَيْدٍ بالكمالِ في قولِه: "وَلَا يَكْمُلُ قَوْلُ الإِيمَانِ إِلَّا بِالعَمَلِ، وَلَا قَوْلٌ وَعَمَلٌ إِلَّا بِنِيَّةٍ، وَلَا قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ إِلَّا بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ فلا يعني مِن ذلك: أنَّ مَن ترَكَ العمَلَ بالكليَّةِ: أنه مؤمِنٌ، ولكنَّه عبَّر بالكمال، يُريدُ: كمالَ الإيمانِ في واحدٍ، لا يتحقَّقُ إلا بكمالِ البقيَّةِ، لا أصلَ وجودِ الإيمان؛ فلا يمكِنُ أن يكونَ الرجلُ كاملَ الإيمانِ بالأقوالِ، وهو غيرُ كاملٍ في العمَل، ولا يكمُلُ قولُهُ وعملُهُ ظاهِرًا، وهو بلا نِيَّةٍ؛ فلا بُدَّ أن ينقُصَ مِن الثلاثةِ مقدارٌ متقارِبٌ أو متطابِقٌ، وكمالُ واحدٍ منها يعني كمالَ الاثنَيْن.

ويدُلُّ على ذلك أنه قال: "وَلَا قَوْلٌ وَعَمَلٌ إِلَّا بِنِيَّةٍ"؛ فيستحيلُ أنه يصحِّحُ القولَ والعمَلَ الصالحَ بلا وجودِ شيءٍ مِن النيَّة؛ فيكونُ قولُهُ أنَّ المُرائِيَ مقبولُ العمَلِ، ولكنَّ عمَلَهُ ناقصٌ؛ وهذا غلَطٌ.

وكذلك قولُه: "وَلَا قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ إِلَّا بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ"؛ فيستحيلُ أيضًا: أنه يصحِّحُ العمَلَ بالبِدْعة، وأنَّ مَن جاء ببِدْعةٍ أنَّ عمَلَهُ صحيحٌ، لكنه ناقصٌ.

فسياقُ قولِهِ يقتضي أنَّه أراد كمالَ الثلاثةِ جميعًا، ونقصانَهَا جميعًا؛ وهذا يوافِقُ ما سبَقَ مِن قولِ الأئمَّةِ: أنَّه لا إيمانَ إلا بعمَل، ولا عمَلَ إلا بإيمان.

والباطنُ والظاهِرُ كلُّه مؤثِّرٌ في إيمان الإنسانِ ولو كان دقيقًا،


(١) "ترتيب المدارك" (٤/ ٢١٤ - ٢١٥).

<<  <   >  >>