للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحسابِ عليه؛ يقولُ أبو عمرِو بن العَلَاءِ: "أَشهَدُ أنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَاءُ، ويَهدِي مَن يَشَاءُ، وللهِ علينا الحُجَّةُ، ومَن قال: تَعَالَ أُخَاصِمْكَ، قلتُ له: أَغْنِ عنَّا نَفْسَكَ" (١)؛ فيُثبِتُ القدَرَ، ويُمسِكُ عن الجدالِ فيه.

وكان ابنُ العَلَاءِ -وهو مِن أهلِ القرنِ الثاني- مِن أعلمِ أهلِ العربيَّةِ باللسان، وحُجَّتُهُ وعلمُهُ العربيُّ عامَّتُهُ مِن كلامِ وبيانِ الجاهليِّينَ وفَصَاحَتِهم؛ قال الأصمعيُّ: "جلَسْتُ إلى أبي عَمْرِو بنِ العَلَاءِ عَشْرَ حِجَجٍ، فلم أَسْمَعْهُ يَحتَجُّ ببيتٍ إسلاميٍّ" (٢).

وبنحوِ هذا قال يونُسُ بن حَبِيب لمَّا سُئِلَ عن القدَرِ؟ قال: "لا فِكْرَ لي فيه" (٣).

* العلمُ بالأسباب لا يُخرِجُ صاحبَه مِن قَدَرِ الله:

ولا يُمكِنُ أن يخرُجَ الخلقُ عن مرادِ اللهِ ومشيئتِهِ، حتى لو عَلِمَ الأسبابَ التي تُخرِجُهُ عنها، فلن يتمكَّنَ؛ فإنَّ الله يُغلِقُها عليه؛ ليبيِّنَ له ضعفَهُ وعجزَهُ أمامَ قدرةِ الله ومشيئتِه.

وقد جاء رجلٌ إلى الخليلِ بنِ أحمدَ، فقال: "إنَّه قد وقَعَ في نَفْسِي شيءٌ مِنَ القَدَر؛ فبَيِّنْ لي ذلك، قال الخليلُ: تُبصِرُ شيئا مِن مَخارِجِ الكلامِ؟ قال: نَعَمْ، قال: أين مَخْرَجُ الحاءِ؟ قال: مِن أصلِ اللسانِ، قال: أين مَخْرَجُ الثاءِ؟ قال: مِن طرَفِ اللسان، قال: اجْعَلْ هذا مكانَ هذا، وهذا مكانَ هذا، قال: لا أَسْتَطِيعُ، قال: فأنتَ عَبْدٌ مدبَّرٌ" (٤).


(١) "تأويل مختلف الحديث" (ص ١٣٩).
(٢) "البيان والتبيين" (١/ ٣٢١).
(٣) "إنباه الرواة" (٤/ ٧٦).
(٤) "تهذيب الكمال" (٨/ ٣٢٨ - ٣٢٩).

<<  <   >  >>