للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا ثبَتَ إجماعُ التابِعِينَ، فلا يجوزُ الخروجُ عنه كذلك (١).

وإنْ قال واحدٌ منهم بقولٍ، فالأمرُ فيه سَعَةٌ، فأمرُهم ليس كأمرِ الصحابة، إلا أنَّ قولَ الواحدِ منهم الذي لا يُخالَفُ فيه، فالأصلُ: أنه أخَذَهُ مِن صحابيٍّ، ولو لم يذكُرْهُ، وقد نصَّ على هذا أحمد.

* الاستدلالُ بحديثٍ يخالِفُ الصحابةَ:

ولا يجوزُ لأحدٍ مِن المتأخِّرينَ أن يَستنبِطَ مِن نصٍّ سُنَّةً تُخالِفُ قولَ أهلِ الصدرِ الأوَّل، وقد كان التابِعونَ وأتباعُهم -مع قُرْبِ عَهْدِهم- يعظِّمونَ أقوالَ الصحابةِ، وفَهْمَهم للوحيِ، ويقدِّمونَهُ على فَهْمِهم؛ لتزكيةِ اللهِ لهم، وقُرْبِ عَهْدِهم، وصِدْقِهم، وسلامةِ قلوبهم؛ فلا يُمكِنُ أن يقولوا بقولٍ يُخالِفُ النصَّ، فضلًا عن أن يُجمِعُوا عليه؛ قال النَّخَعيُّ: "لو رأَيْتُ الصحابةَ يَتوضَّؤُونَ إلى الكُوعَيْنِ، لَتَوَضَّأْتُ كذلك، وأنا أَقْرَؤُهَا: {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: ٦] " (٢).

وذلك لأنَّهم لا يُتَّهَمُونَ في تركِ السُّنَن الثابتة عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لعلمهم وحرصهم وورعهم؛ فلا يظُنُّ ذلك بهم أحدٌ إلا وهو متَّهَمٌ في دِينه.

وكان عُمَرُ بن عبدِ العزيزِ يَجعَلُ ما فعَلَهُ الخلفاءُ الراشِدونَ بعد النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِن التصديقِ بكتابِ الله، وكان الإمامُ مالكٌ يُعجِبُهُ عزمُ عُمَرَ في قولِه: "سَنَّ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ووُلَاةُ الأمرِ مِنْ بَعْدِهِ سُنَنًا، الأَخْذُ بها تصديقٌ بكتابِ الله، واستكمالٌ لطاعةِ اللهِ، وقوةٌ على دِينِ الله، ليس لأحدٍ تبديلُها ولا تغييرُها ولا النظَرُ فيما خالَفَهَا؛ مَنِ اقتَدَى بها مُهتَدٍ، ومَنِ استنصَرَ


(١) "الإحكام في أصول الأحكام" (١/ ٢٣١)، و"مجموع الفتاوى" (١٣/ ١٩٨).
(٢) "الجامع" لابن أبي زيد (ص ١١٨).

<<  <   >  >>