للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الطائفةُ الثانية: الخوارجُ والمعتزِلةُ؛ وهم الوعيديَّة:

ولم يكنْ مذهبُ الخوارجِ له أصولٌ وكتبٌ يدرُسُها الناسُ في المغرِب، وإنما يكفي في أهلِهِ الجهلُ، وأخذُ مطلَقاتِ الشريعةِ وعموماتِها ومتشابِهَاتِها، وتغييبُ مخصِّصاتها ومقيِّداتها ومحكَماتها.

وفتنةُ الخوارجِ: في التكفيرِ بغيرِ مكفِّرٍ مِن الذنوبِ وسائرِ الأعمال، وبهذا عَظُمَتْ فِتْنَتُهم في المسلمين؛ فأضحَوْا يَستطِيلُونَ شرًّا، ويتربَّصونَ بالمسلمينَ فسادًا، ولو تمكَّنوا مِن المسلِمِينَ، لَكَانَ فِعْلُهم فيهم يقرُبُ مِن فعلِ الرافضةِ، وقد فعَلُوا في القيروانِ قريبًا مما فعَلَهُ الرافضة، إلا أنَّهم أَوغَلُ في التستُّر باستعمالِ الشريعةِ؛ فسفَكُوا الدماءَ تكفيرًا، وانتهَكُوا الأعراضَ سَبْيًا، وسلَبُوا المالَ غنيمةً.

وقد أراد قبلَ ذلك علماءُ المغرِبِ القتالَ مع أبي يَزِيدَ مَخْلَدِ بنِ كَيْدَادَ الخارجيِّ ضدَّ الرافضةِ العُبَيْدِيِّينَ، وقد أظهَرَ أبو يَزِيدَ التنسُّكَ، واستعظَمَ المسلِمُونَ ما فعَلَهُ الرافضةُ؛ فقاتَلُوا معه، وكان يَرمِي بمَن تَبِعَهُ مِن أهلِ السُّنَّةِ في وجهِ خصومِهِ لِيُفْنُوهم، فيكونَ الأمرُ له؛ فلا يَشقَى بهم مَن بعدَهُ؛ فكان يقولُ لأتباعِهِ: "إذا التقَيْتُمْ مع القومِ -يعني: الرافضةَ- فانكَشِفُوا عن أهلِ القَيْرَوانِ؛ حتى يَتمكَّنَ أعداؤُكُمْ مِن قَتْلِهم؛ فيكونوا هم الذين قتَلُوهُمْ، لا نحنُ؛ فنَسترِيحَ منهم" (١).

والرافضةُ والخوارجُ لا يُؤتَمَنُونَ في إِمْرةٍ على المسلِمِينَ؛ وخاصَّةً في القتال؛ وكلُّهم يَعمِدُ إلى قتلِ العلماءِ قبلَ غَيْرِهم.

وقد اختُلِفَ في تكفيرِ الخوارجِ (٢).


(١) "البيان المُغْرِب" لابن عذاري المراكشي (١/ ٢١٨)، و"تاريخ الإسلام" (٧/ ٦٣٦).
(٢) "فتح الباري" (١٢/ ٢٩٩ - ٣٠١).

<<  <   >  >>