للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فانظُرْ كيف ذكَرَ أحمدُ بَيْنُونةَ كلامِ اللهِ مِن خَلْقِهِ، ويريدُ بذلك: المسموعَ والمقروءَ وبقيَّةَ جهاتِه؛ لأنَّ الكلامَ النَّفْسيَّ لا حاجةَ للقولِ ببينونَتِهِ مِن خَلْقِه.

وهذا الكلامُ عن أحمدَ مما انفرَدَ به المَغارِبةُ عنه؛ ذكَرَهُ الخُشَنيُّ في "أخبارِ الفقهاءِ والمحدِّثينَ" (١)؛ مسنَدًا.

وعلى هذا جرَى تقريرُ أئمَّةِ السُّنَّةِ في القَيْرَوانِ وما وراءَها، ومنهم: ابنُ أبي زَيْدٍ؛ كما قال ابنُ أبي زَيْدٍ: "يَجِبُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَسْمَعَ مُوسَى -عليه السلام- كَلَامَهُ القَائِمَ بِذَاتِهْ، لَا كَلَامًا قَامَ بِغَيْرِهْ"؛ نقَلَهُ عنه القَرَافيُّ في "الذَّخِيرة" (٢)، وبنحوِهِ قاله هو في "الجامع" (٣).

وقد قال ابنُ الحدَّاد: "كُلُّ مَن زعَمَ أنَّ موسى سَمِعَ الكلامَ مِن الشَّجَرةِ على الحقيقةِ، فقد كفَرَ؛ لأنه يعني: أنَّ اللهَ تعالى لم يكلِّمْ موسى، ولم يفضِّلْهُ بكلامِه" (٤)، وقولُهُ هنا: "مِن الشَّجَرةِ على الحقيقةِ"؛ يعني: أنه يَقصِدُ الكلامَ المسموعَ؛ فاللهُ تكلَّم به، وأسمَعَهُ موسى حقيقةً، ولم يَخلُقْهُ في الشجرة، أو أمَرَها فتكلَّمَتْ به حقيقةً.

ويُخطِئُ طوائفُ مِن المتكلِّمينَ؛ حيثُ يظنُّونَ أنَّ خلافَ السلفِ مع أهلِ البِدَع، إنما هو في الكلامِ النَّفْسيِّ وحدَهُ، ويظنُّون أنَّهم بعيدونَ عن النزاعِ بإثباتِهم له، وقولِهم بأنَّ كلامَ اللهِ المسموعَ والمقروءَ والمحفوظَ مخلوقٌ، ويسمُّونه كلامَ اللهِ مجازًا؛ كما يقولُ بعضُ أهلِ الكلامِ؛ كالأشاعِرةِ.


(١) "أخبار الفقهاء والمحدثين" (ص ٤٦).
(٢) "الذخيرة" (١٣/ ٢٣٥).
(٣) "الجامع" (ص ١٠٧).
(٤) "رياض النفوس" (٢/ ٧٢).

<<  <   >  >>