للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد قال: "قَصَدْنا مِن هذا الكتابِ إلى الرَّدِّ على النافيةِ للهِ بنَفْيِهم لصفاتِه" (١).

وعلى هذا المحقِّقون منهم؛ كما نقَلَ ذلك ابنُ رشدٍ في "البيان والتحصيل"؛ قال: "بأنَّ للهِ يَدَيْنِ ووجهًا وعينَيْنِ" (٢)، ثم عزا لبعضِ الشيوخِ تأويلَ ذلك، وأنَّ المرادَ بالوجهِ: الذاتُ، وبالعينَيْنِ: إدراكُ المرئيَّات، والمرادُ باليدَيْنِ: النعمتان، ثم قال: "والصوابُ: قولُ المحقِّقينَ الذين أثبَتُوها؛ وهو الذي قاله مالِك" (٣).

وهذا ما قرَّره أبو القاسمِ السُّهَيْلِيُّ المغربيُّ المالكيُّ في كتابِهِ "نتائج الفِكْر"، عند كلامِهِ على صفةِ اليَد، وأنها لا تؤوَّلُ بالنِّعْمةِ ولا بالقُدْرة، بل على الحقيقة، وقال: "كان معناها مفهومًا عند القومِ الذين نزَلَ القرآنُ بلُغَتِهم؛ ولذلك لم يَستَفْتِ أحدٌ مِن المؤمنين رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عن معناها، ولا خاف على نَفْسِهِ توهُّمَ التشبيهْ، ولا احتاجَ مع فهمِهِ إلى شرحٍ وتنبيهْ" (٤).

وذلك أنَّ إثباتَ حقيقةِ الصفةِ لله، لا يعني القولَ بمشابَهَتِها لحقيقةِ صفةِ المخلوق؛ فلكلِّ حقيقةٌ تليقُ به، واللهُ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١].

وقد كان متقدِّمو الأشاعرة؛ كالباقِلَّانيِّ، يُثبِتُونَ للهِ تعالى الوجهَ واليَدَ على الحقيقة، بل عَدَّ الباقِلَّانيُّ في "التمهيد" (٥) نفيَ ذلك مِن مَخَازِي المعتزِلة، وضلالِهم وقبيحِ مَذْهَبِهم، وعدَّ الفخرُ الرازيُّ إثباتَ


(١) نشَرَ قطعةً من هذا الكتاب عبد المجيد حمدة، ضمن كتاب المدارس الكلامية بإفريقية (ص ٣٠٩).
(٢) "البيان والتحصيل" (١٦/ ٤٠١).
(٣) الموضع السابق.
(٤) "نتائج الفكر" (ص ٢٢٩).
(٥) "التمهيد" (ص ٢٨٦ - ٢٨٧).

<<  <   >  >>