للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد يَرتفِعُ الشرُّ، ويَقوَى الباطلُ، حتى إذا ظَنَّ بعضُ الناسِ أنْ لا قائمةَ للحَقِّ، أدار اللهُ الدائرةَ للحَقِّ وأهلِه؛ فالمعتزِلةُ بدَّلوا الدِّينَ، وتسلَّطوا بالسلطانِ على المسلِمِينَ شرقًا وغربًا:

• ففي المَشرِق: حُرِّفَ القرآنُ على كِسْوةِ الكَعْبة؛ فكُتِبَ عليها: "ليس كمِثْلِهِ شيءٌ وهو اللطيفُ الخَبِير"؛ أزالوا: "السَّمِيع البَصِير"؛ يقولُ حَنبَلٌ: حجَجْتُ فرأيتُ ذلك، فلمَّا قَدِمْتُ، أخبَرْتُ أحمدَ، فقال: قاتَلَهُ اللهُ! الخبيثُ -يعني: ابنَ أبي دؤادٍ- عمَدَ إلى كتابِ الله، فغَيَّرَهُ" (١).

• وفي المَغرِب: أوصى العلماءُ أنْ يُكتَبَ الحقُّ على شواهِدِ القبور، لمَّا عجَزُوا عنه على المَنابِر؛ فواجبُ العلماء أن يبيِّنُوا الحقَّ حسبَ المقدور، واللهُ كفيلٌ بإظهاره.

وبدَأَ الأئمَّةُ يصنِّفونَ ويكتُبُونَ في بيانِ المعتَقَدِ الحقِّ في ذلك إجمالًا وتفصيلًا؛ ككتابِ محمَّدِ بنِ وَضَّاحٍ: "رسالةٌ في رؤيةِ الله"، وكتَبَ محمَّدُ بن سُحْنُونٍ كتابَ "الحُجَّةِ على القدريَّةِ"، وسعيدُ بن الحَدَّادِ كتابَ "الاستواء"، وله أيضًا مناظَراتٌ مع المعتزِلةِ بالقَيْرَوان.

وقد دخَلَ سُحْنُونٌ على ابنِ القَصَّارِ وهو مَرِيضٌ، فقال: "ما هذا القَلَقُ؟ قال له: الموتُ والقدومُ على الله، قال له سُحْنُونٌ: ألَسْتَ مصدِّقًا بالرُّسُلِ والبعثِ، والحسابِ والجَنَّةِ والنار، وأنَّ أفضَلَ هذه الأمَّةِ أبو بكرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، والقرآنُ كلامُ اللهِ غيرُ مخلوقٍ، وأنَّ اللهَ يُرَى يومَ القيامةِ، وأنَّه على العرشِ استَوَى، ولا تَخرُجُ على الأئمَّةِ بالسَّيْفِ، وإنْ جاروا؟ قال: إي والله، فقال: مُتْ إذا شئتَ، مُتْ إذا شئتَ" (٢).


(١) "طبقات الحنابلة" (١/ ٣٨٦).
(٢) "رياض النفوس" (١/ ٣٦٧ - ٣٦٨).

<<  <   >  >>