للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتَبِعَ هؤلاءِ طبقةُ تلامذتِهم ممَّن جرى مَجْرَاهم، وسلَكَ سبيلَهم؛ كزيدِ بنِ بشرٍ الأزديِّ القَيْرَوانيِّ؛ حيثُ سكَنَ القيروانَ لمَّا هرَبَ مِن مِصْرَ بعدما امتُحِنَ في خلقِ القرآن، وزَيْدِ بنِ سِنَانٍ الأسديِّ القيروانيِّ، ومحمَّدِ بنِ نصرِ بنِ حضرمٍ القَيْرَوانيِّ، ومحمَّدِ بنِ سحنونٍ، وبكرِ بنِ حمَّادٍ الزَّنَاتِيِّ التاهرتيِّ، وأبي العبَّاسِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ طالبٍ، ومحمَّدِ بنِ وضَّاحٍ القرطبيِّ، ويحيى بنِ عُمَرَ الكِنَانيِّ، وأبي عُثْمانَ سعيدٍ الحَدَّادِ القيروانيِّ، وأحمدَ بنِ نصرِ بنِ زيادٍ الهَوَّارِيِّ، ولُقْمانَ بنِ يوسُفَ الغَسَّاني.

وقد استمسَكَ هؤلاءِ الأئمَّةُ بالسُّنَّةِ والأثَرِ، وما عَلِمُوهُ مِن السلفِ في مسألةِ خلقِ القرآنِ، وعُلُوِّ الله، وكانوا على معتَقَدِ مَن سبَقَهم، ولا يَرَوْنَ الخوضَ في الكلامِ عمَّا زاد عن الوارِدِ في النصوصِ؛ لا بتأويلٍ ولا تشبيه، وقد كان سُحْنُونٌ يقولُ: "مِنَ العِلْمِ باللهِ: الجهلُ بما لم يُخْبِرِ اللهُ به عن نَفْسِه" (١).

وهذا نظيرُ ما يقرِّرُه الشافعيُّ في علمِ الكلامِ؛ أنَّ: "الفِقْهَ في الكلامِ الجَهْلُ به" (٢)؛ لأنَّ علمَ الكلامِ يؤدِّي إلى القولِ على اللهِ بلا علمٍ نفيًا وإثباتًا، ومنتهى الفقهِ في ذلك: الكلامُ عند ورودِ النَّصّ، والوقوفُ عند عدَمِ ورودِه.

وبَقِيَتْ شواهدُ القبورِ بالقَيْرَوانِ شاهِدةً على ذلك إلى اليومِ؛ حيث كُتِبَ عليها بعد الشهادتَيْن: "وأنَّ القرآنَ كلامُ الله، وليس بمخلوقٍ"، والشواهدُ مؤرَّخةٌ بصَفَرٍ عامَ اثنَيْنِ وتسعينَ ومِئَتَيْنِ، ومِن شواهدِ القبورِ: شواهدُ مكتوبٌ عليها اليومَ بعد الشهادتَيْنِ: "وأنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُرَى يومَ القيامةِ"، ومؤرَّخٌ ذلك في شَعْبانَ عامَ اثنَيْنِ وتسعينَ وثلاث مئةٍ.


(١) "التمهيد" لابن عبد البر (٧/ ١٤٦).
(٢) "صون المنطق" (ص ١٥٠).

<<  <   >  >>