للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والسُّنَّةِ، والإيمانِ بها، وحملِها على الحقيقة، لا على المَجَاز" (١)، وأَثبَتَ علوَّ الذاتِ، واستواءَ اللهِ على عَرْشِه، وأبطَلَ قولَ المتكلِّمينَ بتفسيرِ الاستواءِ بأنه الاستيلاءُ (٢)، ولكنَّه في النزولِ حُكِيَ عنه في أحد المواضع أنه نزولُ الأمرِ والرحمةِ، وهذا ليس موافَقةً للمتكلمينَ في أصلِهم في الصِّفات الاختيارية؛ فإنه يَنقُضُ أصلَهم في ذلك في مواضع، وفي مواضعَ أخرى يُثبِتُ نزولَ الله تعالى على الحقيقةِ على ما يليقُ به سبحانَه ويُنكِرُ غيرَه.

ويُوجَدُ مِن هذه الطبقةِ بعضُ الأئمَّةِ الذين ربَّما وافَقُوا المتكلِّمينَ في بعضِ الأصولِ لا كلِّها؛ كأبي عمرٍو الدانيِّ، فهو مِن تلامِذةِ الباقِلَّانيُّ، وله مَيْلٌ إلى بعضِ كلامِهِ في "الرسالةِ الوافية"، وفي "الأُرْجُوزة"، ورسالتُهُ "الوافيةُ" أخَذَ مَعانِيَها مِن كتابِ "الإنصاف" للباقِلَّانيِّ، وقد وافَقَ فيها الباقلانيَّ في الصفات.

وربَّما كان فيهم مَن خالَفَ في الإثباتِ؛ كما في قولِ أبي عُمَرَ الطَّلَمَنْكِيِّ في إثباتِ الجَنْبِ للهِ (٣)؛ لقوله: {يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: ٥٦]؛ وذلك أنه نظَرَ لمجرَّدِ الإضافةِ للهِ، ومجرَّدُ الإضافةِ لا تُفِيدُ إثباتَ الصفةِ؛ فللسياقِ معنًى يجبُ الأخذُ به؛ كما هو معروفٌ في لسانِ العرَبِ عند نزولِ الوحي، ولا يُنظَرُ لمجرَّدِ اللفظِ، فقد يُضِيفُ اللهُ إليه شيئًا، وليس منه، بل هو مخلوقٌ مِن مخلوقاتِه؛ كقولِهِ تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس: ١٣]، وقولِهِ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} [الفرقان: ٦٣]، وقولِهِ -صلى الله عليه وسلم- في خالدِ بنِ الوَلِيدِ: (سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ) (٤).


(١) "التمهيد" (٧/ ١٤٥).
(٢) "التمهيد" (٧/ ١٣٠ - ١٣١).
(٣) "سير أعلام النبلاء" (١٧/ ٥٦٩).
(٤) البخاري (٣٧٥٧ و ٤٢٦٢) من حديث أنس.

<<  <   >  >>