للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُحصِي اللهُ على عبادِهِ كلَّ أعمالهم، دقيقَها وجليلَها، صغيرَها وكبيرَها، لا يترُكُ مِن أعمالِهم دقيقَ حَسَنةٍ ولا سيِّئةٍ؛ قال تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة: ٦]، وقال: {وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: ٤٩].

وقد جعَلَ اللهُ الحسَنةَ التي يَكسِبُها العبدُ تُكتَبُ له بعَشَرةٍ، والسيِّئةُ لا تُكتَبُ عليه إلا بمِثْلِها؛ كما قال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الأنعام: ١٦٠]، وقد ثبَتَ الحديثُ في ذلك عن جماعةٍ مِن الصحابةِ؛ مِن حديثِ ابنِ عبَّاسٍ (١)، وأبي هُرَيْرةَ (٢)، وأنسٍ (٣)، وأبي ذَرٍّ (٤)، وغيرِهم (٥).

ومِن لُطْفِهِ: أنْ فتَحَ بابَ التوبةِ لمن تاب؛ فمَن تابَ وأنابَ، تابَ اللهُ عليه، مهما كان ذنبُهُ ولو كان كُفْرًا؛ فاللهُ لا يَتعاظَمُهُ ذنب؛ فمغفرتُهُ تَعُمُّ جميعَ الذنوبِ صغيرَها وكبيرَها؛ قال تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: ٥٣].

بل إنَّ اللهَ يَفرَحُ بتوبةِ عبدِهِ؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (للهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ؛ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِه، وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ ... ) (٦)، وقال:


(١) البخاري (٦٤٩١)، ومسلم (١٣١).
(٢) البخاري (٤٢ و ٧٥٠١)، ومسلم (١٢٨ و ١٢٩ و ١٣٠).
(٣) مسلم (١٦٢).
(٤) مسلم (٢٦٨٧).
(٥) كخُرَيْمِ بنِ فاتِكٍ عند أحمد (٤/ ٣٢١ و ٣٤٥ و ٣٤٦ رقم ١٨٩٠٠ و ١٩٠٣٥ و ١٩٠٣٩)، وابن حبان (٦١٧١).
(٦) البخاري (٦٣٠٩)، ومسلم (٢٧٤٧) من حديث أنس، واللفظ للبخاري.

<<  <   >  >>