للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القولُ: "كيف كان ربُّنا إذْ لا مكانَ؟ "، وقد أجابَ ابنُ الحدَّادِ: "إنَّه الآنَ على ما كانَ عليه، ولا مكانَ" (١).

وهذا كلُّه لا ينفي أصلَ خَلْقِ الزمانِ والمكان، ووجودِهما تعاقُبًا؛ فوجودُهما جنسًا شيءٌ، ووجودُهما آحادًا شيءٌ ثانٍ، ومشاهداتُهما والعلمُ بهما شيءٌ ثالث.

والشُّبُهاتُ الكلاميَّةُ والفِكْريَّةُ التي تَستجلِبُها العقولُ، وتَضَعُها في سياقاتٍ غيرِ سياقاتِها، ثُمَّ تخرُجُ بنتيجةٍ تظنُّها كاملةً، وتضَعُها في موضعٍ ليس لها -: يقَعُ بِسَبَبِها الضلالُ، ويُنفَى الحقُّ، ويُثبَتُ الباطلُ، وأشَدُّ ذلك وأعظَمُهُ: ما كان متعلِّقًا بحقِّ اللهِ تعالى وذاتِه.

والجَهْمِيَّةُ القائِلُونَ بنفيِ علوِّ الله، وأنَّه في كُلِّ مكانٍ، ولا يَخلُو منه مكانٌ: يتناقَضُونَ مع أصولِهم العقليَّةِ، والأدلَّةِ النقليَّة؛ فهم يُقِرُّونَ أنَّ اللهَ كان ولا شيءَ قَبْلَه، ثم خلَقَ الخَلْقَ، ولكنْ لا يَدرُونَ أَيْنَ خلَقَهُم؟ ! فإمَّا أن يقولوا: إنَّ اللهَ خلَقَ الخَلْقَ داخِلَ نَفْسِهِ سبحانه، أو خلَقَهُمْ خارِجًا عنها:

فالأوَّلُ: كُفْرٌ؛ إذْ كيفَ يخلُقُ اللهُ خَلْقَهُ في نَفْسِه؛ فتكونَ مَحَلًّا للحوادثِ التي يَنفُونَها فيه، ومحلَّا لخَلْقِ اللهِ مِن الشرورِ والخُبْثِ والشياطينِ؟ ! تعالى اللهُ!

وإنْ قالوا: بأنَّ اللهَ خلَقَهُمْ خارِجَ نَفْسِه، ثمَّ دخَلَ فيهم، أو دخَلُوا فيه، فقد أقَرُّوا بمكانٍ ليس فيه اللهُ عند الخَلْقِ.


(١) "طبقات علماء إفريقية" للخشني (ص ١٩٨ - ١٩٩).

<<  <   >  >>